Saturday 15 August 2020

العلاقات ‏العربية ‏مع ‏إسرائيل ‏

السلام الإماراتي..
ترددت كثيراً في الكتابة أو إبداء رأي، ليس خوفاً، فأنا لم أخف وقت كان الخوف سمة الشجعان، ولا عجزاً، فالكتابة لا تعجزني ولا تقيدني، بل تحررني.

لكن لم أتكلم لأن ما حدث لا قيمة له، وهم يريدون أن يجعلوا منه رمزاً وإنتصاراً، كثرة التصريح والنقد يعطيه تلك الأهمية، والشتم والتخوين يقوي موقف الإنشقاق العربي.

نحن نعلم يقيناً أن حكومات وزعماء العرب لا يمثلون شعوبهم، وفي أخر عشرين عام رأينا المواقف السياسية للعرب تجاه قضيتنا، وقضيتهم الأولى تنحدر نحو القاع، بينما الشعوب لا زالت على العهد بها، مؤمنة بحقها كلها في بلدها فلسطين.

أنا دائماً أقدم نفسي على أني فلسطيني، ودائماً ما أشعر بأني أرتدي هويتي كوسام شرف، كل من يراه يحترمه. وفي حياتي وتنقلي كثيراً التقيت أناس من كل الأصول والجنسيات، وذكر أني فلسطيني يفتح الباب ليبدوا تعاطفهم ومساندتهم للقضية، وأخوتي وأصدقائي من خليجنا العربي ليسوا استثناء، وعندي من القصص الكثير لكن أعلم أن هذا شيء يشاركني به كل فلسطيني.

الإمارات العربية المتحدة لم توقع معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، ما حدث ان بعض العابرون بين الكلمات العابرة هم من يتحدثون ويحكمون، والتاريخ علمنا جيداً ان هؤلاء، مثل غيرهم، طفرة تمر وترحل إلى مزابله.

ختاماً أورد هذه الأبيات للشاعر الإماراتي كريم معتوق في رثاء محمود درويش 

أنا لا أرى نخلاً بسيرتهِ
أرى الزيتونَ منتبهاً لغربتهِ
وألمحُ فرحةً كبرى برائحةِ الحفرْ
قبرٌ يضمكَ بعد أن
ضمتكَ كلُّ قلوبنا زمناً
وما زلنا بشعركَ نأتزرْ
( لا تعتذرْ عما فعلتَ )
صنعتَ تاريخاً نحبكَ باسمهِ
وزرعتنا صوراً تباغتها صورْ
( والعابرون ) سيفرحون سيجلسون القرفصاءَ
يقول آخرهمْ من القوقاز شاعرهم مضى
لن يدركوا الكلماتِ باقيةً 
ويمضي العابرون مع الكلام بلا أثر


ويمضي العابرون مع الكلام بلا أثر........

أحمد بكر 

Sunday 2 August 2020

الخبز ‏الحافي ‏والسيرة ‏الذاتية ‏للمجتمع



الخبز الحافي
محمد شكري..

"حين يشتد عليّ الجوع أخرج إلى حي (عين قطيوط)، أفتش في المزابل عن بقايا ما يُؤكل. وجدت طفلاً يقتات من المزابل مثلي. في رأسه وأطرافه بقايا بثور. حافي القدمين وثيابه مثقوبة. قال لي:
مزابل المدينة أحسن من مزابل حيّنا" 



سيرة ذاتية، وهذا شيء لسنا معتادون عليه في العالم العربي، لشخص تعلم القراءة والكتابة بعد أن تجاوز العشرين، يتحدث عن نفسه، أهله، مجتمعه بصدق وشفافية صراحة لا متناهية، وهذا بالتأكيد شيء ليس له سابق في الأدب العربي. 

في عام ١٩٩٧ اشتريت من إحدى بسطات الكتب رواية بعنوان " الشطار أو زمن الأخطاء " لكاتب لم أسمع به قبلها إسمه محمد شكري. أعجبني الكاتب لجرأته التي تتجاوز حد الوقاحة، لكنه كان يتحدث عن نفسه، الكتاب سيرة ذاتية. لا أذكر تفاصيل كثيرة من ذلك الكتاب لكني أذكر أنني كنت كلما قرأت فقرة تحدث فيها عن أخص خصوصياته، رجعت إلى مقدمة الكتاب لأتأكد من أن النص ليس خيال لشخصية وهمية وإنما عن حياة الكاتب!



لم أجد حينها الجزء الأول من السيرة "الخبز الحافي" على أي من بسطات الكتب المستعملة في وسط البلد، وبعد مدة نسيت الموضوع تماماً. قبل أسبوعان مرّ معي إسم الكتاب مرة أخرى، ولأنني أعيش قمة السعادة والغنى قررت أن أقرأ شيء عن الفقر والفقراء، فبحثت عن "الخبز الحافي" وقرأت.


الرواية/ السيرة مُنعت من النشر عربياً، فطُبعت بالإنجليزي عام ١٩٧٣، وترجمت إلى العديد من لغات العالم إلى أن طبعت في عام ١٩٨٢ في بيروت، وبقيت ممنوعة من النشر في المغرب إلى نهاية التسعينات. كثير من القرّاء في العالم عرفوا عن مقاهي طنجة، بردويلات تطوان، النوم في المقابر، الأكل من المزابل، وأشياء أخرى كثيرة عن المغرب في الأربعينات، قبل أن يتمكن أيٌ من المغاربة من قراءة تاريخهم القريب جداً.

لماذا المنع؟
الكتاب يحتوي وصف تفصيلي ودقيق لحياة طفل في سنّ البلوغ، حيث لا أسرة بالمعنى السليم، لا مجتمع بالمعنى السليم، لا دين ولا أخلاق. تعاطي المسكر، المخدر، التدخين البغاء، الشذوذ، كلها أشياء تحدث عنها محمد شكري بمنتهى الصراحة، نعم فيها كثير من الفحش، لكن هذا لا شيء بالمقارنة مع الجوع والفقر والظلم اللذي قتل اخوين واخت له وشرّد ألوف الفلاحين والجبليين في المغرب وأجبرهم على التسول والسرقة وممارسة البغاء من أجل لقمة العيش، من أجل الخبز الحاف.

المعنى، لا نلوم الكاتب على الوقاحة والبذاءة، بل نلوم المجتمع العاري الذي لا يجد ورقة تين كبيرة كفاية لتغطي سوءته ويحدثنا عن الطهر والعفة. 


الرويات والادب عموما ملىء بهذه الأشياء، لسبب بسيط، لأنه الحياة هيك.
وربما هنا يجدر الوقوف مع النفس قليلاً، هل نحن مثاليون؟ لماذا إذا نستغرب التصرفات الشهوانية للأخرين؟ والأعجب والأغرب، لماذا لا نقبل حتى الحديث عنها؟



أحمد بكر




ملاحظة: ترددت كثيراً في استقطاع أجزاء من النص من الخبز الحافي لتوضيح مدى الجرأة التي كتب بها محمد شكري سيرته الذاتية، لكن هل أملك الجرأة في عرض نص جريء كهذا؟ أم أكون كما الرقيب المغربي الذي منع الرواية من النشر؟ 
وإرتأيت بعد كثير من الكتابة والحذف أن لا أفعل، ليس حشمة ولا زود طهارة، لكن لأن الرواية متوفرة على النت ومن شاء أن يقرأها أرسلتها له على الواتس آب، وبذلك يكون الخيار لك.