Monday 19 October 2020

الروضة والزنا والاعدام



تنهال التبريكات والتشكرات للقوات الأمنية بعد حادثة الزرقاء، لأنها - الشرطة- امّا بدأت تقوم بعملها وهو ملاحقة المجرمين والقبض عليهم، أو أنها تضرب بيدّ من حديد، وهذا مصطلح معناه أنها تتصرف خارج نطاق القانون.

غالب الشعب الأردني يعتقد أن ما يحدث الآن من إجراءات آنيّة ستحل كل المشاكل التي كانت حادثة الزرقاء عارض من عوارضها. حقيقة، أنا أحسد شعبنا على تفاؤله!

قلت مرارا وأكرر أن العقاب لا يمنع الجرائم، والدليل هو أنت! نعم أنت، هل ما يمنعك من ارتكاب المحظور هو العقاب؟ هل السجن هو الرادع الذي يحول بينك وبين الجريمة؟
السؤال الذي يتردد عادة هو ما الذي يدفع البعض إلى حياة الإجرام، وربما السؤال الأصح هو لماذا غالب الناس تحترم القانون وحقوق الآخرين ولا ترتكب أية مخالفات؟
ما يمنعنا من الغلط هو إما أخلاقنا، او العرف المجتمعي، أو القانون والمخالفات، والأخير هو أقل الأشياء تأثيرا.

مثال:
 إن فتى شابًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: ((ادنه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: ((أتحبه لأمك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم))، قال: ((أفتحبه لابنتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم) إلى آخر الحديث 
(الألباني ،السلسلة الصحيحة) 

فالرسول لم يهدد الفتى بالعقوبة والآخرة، وانما استعرض مروءة الفعل وتأثيره على المجتمع، وما كان من الفتى إلا أن يوافق.. 

مثال٢ 

في روضة اطفال في يافا كان بعض الأهالي يتأخرون في موعد اصطحاب الأطفال للبيت، فقررت الروضة - في تعاون مع باحثين اجتماعيين- فرض غرامة مالية على التأخير، بعد شهر من الغرامات استنتج الباحثون ان تأخير الأهالي لا زال كما هو، وبعد استبيان آراء الأهل تبين انهم لم يكونوا يشعروا بالذنب لأنهم ان تأخروا يوما ما فهم يدفعون غرامة مقابل تأخيرهم. قرر الباحثون تغيير الاستراتيجيه وإلغاء الغرامات، لكن من يتأخر يتم التحدث معه مباشرة من قبل المديرة، موضحة كيف ان تأخير الاهل يعني تأخير أحد المدرسين للبقاء مع الطفل. بعد عدة أيام لم يعد التأخير من الأهل مشكلة، لأنه مما يبدو ان الاحراج والاحساس بالذنب كان أفيد وأكثر تأثير من الغرامة المالية.


طبعاً هناك فئة من البشر لن تردعهم أخلاقهم ولا أعراف المجتمع من ارتكاب الجريمة، وهؤلاء بكل تأكيد لن يكون للعقوبة وزن كبير في قرارهم، لذلك تشديدها ام تخفيفها لن يغير مسيرهم، على العكس قد تجد ان بعضهم يرتدي أحكام السجن كوسام شرف يرفع من قيمته أمام فئته..

شيء أخر مهم هو ثقافة المجتمع، وللأسف مجتمعنا يمجد الفتوة والازعر والحفرتلي! فشخصية فتوة الحارة سواء في الدراما أو الأدب (وهذا مرآة للمجتمع، حتى وان رفضنا) تُطرح كبطل وشخصية الجميع يتمنى ان يكون مثلها. وكثير ما كنا نتحدث عن بطولات وصولات وجولات الازعر فلان، وعدد من "علّم" عليهم! الآن ندعي القرف والتقزز من أفعالهم ونحن نستمتع بمشاهدتهم على الشاشة او الحديث عنهم كأبطال!

الحديث بالمسألة يطول، لكن أهم ما اردت قوله هو أن انتشار الجريمة هو عارض على المجتمع إيجاد حلول لأسبابه، دعم القوات الأمنية لتضرب بيد من حديد هو تفريط بحقوقنا كمواطنين، وربما محاسبة الشرطة على العجز عن الفعل سابقاً أولى من التصفيق لهم الآن، ختاماً علينا مراجعة أعرافنا وتقاليدنا الموروثة من أجيال سابقة وأزمنة خلت، لنتأكد من ملائمتها للمجتمع المدني ذو التركيبة المعقدة الذي نعيشه الآن.