Tuesday 27 July 2021

إربد

قرية كبرت على استحياء فأضْحَت مدينة. كبدوية ترتدي ملابس التمدن، لكن لهجتها وجرأتها تملاءك حنيناً للبساطة.


إربد، سكنتها في ال٩٤، كانت شوارعها وأسواقها كأي مدينة في العالم تكتظ بالحياة والضجيج. بعد مغيب الشمس يتسارع روادها للرحيل إلى قراهم، فتنام المدينة مبكراً، مثل القرى، وتحتضن أبناءها أمثالي المتسكعين في عتمة الليل ووحشته، لتقول لهم "يمّا بدّك اشي".. 

الفوّال ياسين، مقهى الكمال، سوق البالة، سينما زهران، هريسة السلطي، كل تلك المشاعر والشعائر، واجبة على كل من أحبها، وأنا أحببتها جداً... 


إربد، مشيت شوارعها من المدينة الصناعية إلى بوابة الإقتصاد، ومن مستشفى بسمة إلى المجمع القديم. كنا نقيس المسافات بأغاني أم كلثوم، فأمل حياتي تغطي المشي من مجمع الشيخ خليل إلى شارع إيدون، أما إذا أردت أن تمشي من الحي الشمالي إلى شارع الجامعة فسيرة الحب أو انت عمري. وفي الطريق كنت أطبع كل شيء في ذاكرتي، أشكال البشر، أولئك الطلبة الحالمون، والاهالي المنهكون. في اربد إعلانات الشوارع هي ذكرياتها التي تحفظ تاريخ المدينة القصير. أعرف لوحات المحال التجارية، من الخياط المتخصص في بناطيل التشارلستون إلى المكتبة المتخصصة في الspss...


إربد، كانت قرية، وكنّا قرويين، تعارفنا، كبرنا، اغتربنا، وتباعدت خطانا وخططنا. كلما زرت إربد، أدركت كم كبرت، فالسنوات التي تخط آثارها في وجهي، تُغيّر تلك البدوية إلى شيءٍ آخر لا يشبهها ولا يشبهني ولا يشبه الذكرى.. 
كان دوار القبة ودوار إيدون يُحددان جنوب المدينة، ودوارا الصناعية وبشرى وسال شمالها، أما الآن فالمباني الإسمنتية ابتلعت حقول التبغ والتراب الأحمر، والشوارع المعبدة إستعبدت (أو استبعدت) أجواء القرية فأصبحت إربد مدينة مثل باقي المدن. خلعت البشكير والمدرقة، وقدمت طاعتها للمولات وصالات الأفراح والمقاهي المتمدنة، وتواصل الليل بالنهار، "وصارت عاصمة". 

إربد،
سكنتها سنوات، وسكنتني لعقود.


أحمد بكر 




الصورة لنص من كتاب حديث الجنود لايمن العتوم،يتحدث فيه عن أحداث جامعة اليرموك في منتصف الثمانينات، وعن إربد حينها

No comments:

Post a Comment