Thursday 10 February 2022

عائد إلى حيفا




عبقرية كنفاني

لماذا إغتالوه؟ ببساطة لكي ننسى. نعم، فغسان كنفاني استطاع ان يلمس جراح الشعب الفلسطيني بقلمه المؤثر، ليبقي الدم يسيل من الجرح المفتوح، ويزداد الحنين إلى فلسطين. رفض كل من لمسه هذا القلم أن يرضى بخيمة، أو كرت مؤن، أو وظيفة في الخليج، أو أي شيء كَبُر أو صَغُر، رفض أن يقبل أي بديل عن فلسطين. 
لم أقرأ جميع أعمال غسان كنفاني، وهي ليست كثيرة، مما قرأت أقف دائماً مشدوها من عبقرية هذا الأديب..
لا أريد أن أتحدث عن أكثر أعماله تأثيراً فيّ، وهي أول رواية قرأتها لها: من قتل ليلى الحايك. لكني سأتحدث عن روايته الأشهر : عائد إلى حيفا.. 

عائد إلى حيفا صدرت عام ١٩٦٩، بعد النكسة، وهي رواية قصيرة حجمها اقل من ٨٠ صفحة. في هذه الثمانين صفحة روى كنفاني معاناة الشعب الفلسطيني الذي عاش النكبة والنكسة، معاناة التهجير، حلم المقاومة قبل وبعد الإحتلال، الهجرة الصهيونية وكيف تم التوطين، نعم فقط في ثمانين صفحة. وفي هذه الصفحات سرد لنا أشياء كثيرة عن الإنسانية، بقبحها وشرها، وعن مشاعر البشر، عن النسيان ،عن الأمل، وتحدث عن الوطن، وإيش يعني وطن. 

للبعض، الوطن هو الماضي ،ولأننا نحب الوطن يكون هذا الماضي جميل، فالوطن هو الماضي الجميل. غسان كنفاني كان يدرك تماماً ان هذا الحلم المليء بالحنين، الذي نسميه وطن، لن يحملنا على تحرير الوطن، بل سيكبلنا بقيود الذكريات الجميلة وفي ثناياها ذكريات الهزائم والانكسار. لذلك،الوطن عن كنفاني هو المستقبل، وكل من حمل السلاح ليحرر الماضي فلن يكمل ولن يصل، لكن من أراد المستقبل، فهو وحده القادر على تحرير فلسطين. 

عائد إلى حيفا تتحدث عن الشعب الفلسطيني الذي هاجر هرباً من الموت، وحمل معه حلم العودة إلى الوطن، والشعب اليهودي الذي هاجر هرباً من الموت، وحمل معه حلم إنشاء وطن. فإنتصر جيل المستقبل على جيل الماضي، والآن نقف على هذا التقاطع ونتساءل هل نبكي هزائمنا ونبحث عن الوطن في ذكرياتنا المحتلة، أم نحمل سلاحنا ونحلم بوطن حر نصنع فيه ذكرياتنا الجديدة كما نشاء؟ 

أبكي كلما رأيت صورة كنفاني، كلما قرأت كنفاني. أبكي نفسي ووطني وماضٍ أشتاق له ومستقبل أضعته. لا أحد أحب وطنه بصدق مثل غسان كنفاني، وهذا الحب لم يكن مشاعر رومانسية لا قيمة لها، بل كلمات صادقة حملتها الأجيال، وأفعال جريئة دفع حياته ثمناً لها..



أحمد بكر 

No comments:

Post a Comment