Sunday 3 February 2013

ع هدير البوسطة


كم اعشق الصبح، شمسه الحنونة، نسماته الناعمة، رائحته، برده، هدوءه، وجوه الناس فيه، ولادة الحياة مع بدايته، كل شيء فيه اعشقه...
حين كنت في الجامعة كنت اغادر البيت في الخامسة والنصف صباحا، اقطع الطرق الخالية وصولا الى وسط البلد والشمس على وشك الصحو. الناس تمشي بكسل مخلوط بنشاط غريب. ابحث في الوجوه عن الابتسامة او عن ملامح الفرح، او اي شيء يبشر بالسعادة، فلا اجد؟!؟ وهل من يسابق الشمس في السعي الى رزقه يملك ثمن التبسم!
اركب الباص من العبدلي الى التكنولوجيا، الرحلة ساعة ونصف مليئة بالكسل والتثاؤب ومغالبة النوم والصحيان. الراديو يغني فيروز او يقرأ الاخبار، فالصبح حِكرٌ لهما ولمزاج السائق:
طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان ... بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران.....
قرر مجلس الجامعة العربية الدعوة الى مؤتمر قمة لمناقشة عملية السلام الاسرائيلية الفلس...
تك تك تك يا ام سليمان، تك تك تك جوزك وين كان، تك تك تك كان في الحقلة عم يئطف خوخ ورمان....
ارتفع عدد ضحايا زلزال تشيلي ليصل الى اربعة الاف قتيل وعشرين الف جريح هذا وتتوالى وصول....

في صباح احد الايام قرر السائق الاتجاه بنا الى طريق عمان جرش اربد الذي لم ينته العمل به بعد. مناظر جديدة ومختلفة عن كل يوم، ومختلفة عن صحاري الزرقاء وبلعما. اشجار ومساحات خضراء، الكثير منها! غابات واشجار سرو، بحيرة ماء، هل لا زلنا في الاردن؟ اضطر السائق ان يدخل من طريق عجلون القديم واذ بنا نرى اشجار اكثر واكثف، كروم من الزيتون والعنب واشياء اخرى جميلة، عيون ماء، طبيعة نقية' الشمس هنا تختلف عن اخواتها فوق سماء عمان واالزرقاء، كذلك السماء فهي اكثر زرقة واقرب للارض، او الارض اقرب للسماء، الصبح هنا لا شك اجمل، كل شيء اجمل، وحتى صوت فيروز صار اجمل:
موعود بعيونك انا، موعود... وشو إطعت كرمالهن ضيع وجرود....
وع هدير البوسطة، لكانت نئلتنا: من ضيعة حملاية على ضيعت تنورين، وتزكرت يا عليا، وتزكرت عيونك، لك يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلويييييين...
وصلت الى الجامعة وانا في قمة النشوة، كم هو جميل هذا الصباح. اتجهت الى الكافيتريا كما العادة واخذت فنجان قهوتي جلست في الخارج ارقب ما تبقى من الصباح، احتسي قهوتي المرة واتنفس روحي ودخاني. هذا الصباح جميل، هذا اليوم جميل، لا اريد ان افسده باي شيء اخر، عدت ادراجي الى موقف الباص وقفلت عائدا الى البيت...
الان وبعد قرابة العشرين سنة من ذلك اليوم، اذكر تماما ما تعلمته في الجامعة يومها: لا شيء. لكني تعلمت الكثير عن الجمال والوطن ونفسي، تعلمت يومها كيف اكون اقرب الى نفسي والى الحياة..

No comments:

Post a Comment