Thursday 26 December 2013

امل

أمل

اليوم دفنا عباس

كم مرة ستموت؟ حين علمت نبأ اعتقالك سَرَتْ في قلبي قشعريرة الموت، فقد علمت وخبرت وعرفت سجانك، رأيته يقتل إخوته ثم يتشفّى بوجهٍ لئيم. لم تكن ميتاً ولكن هل الحياة ان تكون وحيداً، بعيداً، سجيناً، معذباً، لا يُعرف عنك خبر او أثر؟ الأيام والأشهرٌ تمضي و كلما ازداد الحزن فيها نقُصَ الامل.

لم أنم منذ أيام، كلما أغفو لدقائق تلسعني حدة البرد، أو يوقظني صوت صراخ التعذيب، وإن تغلبت على هذا وذاك لا أستطيع أن اتغلب على الالم في كل مواضع جسمي. اليوم استمرت جلست التحقيق أكثر من ست ساعات، أغمي علي فيها حوالي العشر مرات. ورغم شدة التعذيب ومرارة الإهانة إلا أني أُسرّ بوصولي إلى هذه الغرفة، فهي المكان الوحيد الذي أرى فيه ضوء النهار، وعقارب الساعة! ساعات طويلة من الألم لكنها تعطيني اليقين اني ما زلت حياً وتُزيد من الأمل.

قيل لي انك ستواجه المحكمة بتهمة الإرهاب وأن العقوبة قد تصل إلى الاعدام، بكيت من شدة الفرح، فانت ما زلت حياً! وما دامت هناك حياة، فلا بد من وجود الأمل.

كبيرة هي الأمنيات وصغيرةٌ هي الأشياء التي تجلب لنا السعادة. اليوم اعطوني قلماً وبعض الأوراق، سمحوا لي أن أجلس على الاريكة في غرفة التحقيق، لم يضربوني كثيرا ولم يبصق احد في طعامي. تحدثوا عن أمي وعن المحكمة، بسيطة هي الحياة عندما يُغذيها الأمل.

جائتني رسالة نصية: عباس مات! كان من المفروض أن يفرج عنه بعد أربعة أيام، كان سيصير حراً، الآن صار أسطورة.

اعتذر منك يا حبيبة، وعدتك ان اعيش، لا حباً في الحياة ولكن حباً لك. انتظرت عودتي، وها أنا اعود اليوم، فغطي عظامي بعشبٍ تعمد من طهر كعبك، وردي إليّ نجوم الطفولة، حتى أشارك صغار العصافير...

لا أدري كيف اصف

أحنّ إلى خبز أمي

و قهوة أمي

و لمسة أمي

و تكبر في الطفولة

يوما على صدر يوم

و أعشق عمري لأني

إذا متّ،

أخجل من دمع أمي!

خذيني ،إذا عدت يوما

وشاحا لهدبك

و غطّي عظامي بعشب

تعمّد من طهر كعبك

و شدّي وثاقي..

بخصلة شعر

بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..

عساي أصير إلها

إلها أصير..

إذا ما لمست قرارة قلبك!

ضعيني، إذا ما رجعت

وقودا بتنور نارك..

وحبل غسيل على سطح دارك

لأني فقدت الوقوف

بدون صلاة نهارك

هرمت ،فردّي نجوم الطفولة

حتى أشارك

صغار العصافير

درب الرجوع..

لعشّ انتظارك!

No comments:

Post a Comment