Sunday 25 January 2015

مالك يوم الدين

كنت على دوامي الليلي في المستشفى، جاء حادث الى الطوارئ فاتجهت لاستطلاع الامر والمساعدة. شاب عمره ١٨ سنة، وقع على خط السكة الحديدة المكهرب، امضينا ما يزيد عن الساعة محاولين اسعافه ولكن دون جدوى، كان والده يقف بجانبا وهو يبكي ويصيح داعيا يا رب، يا رب، يا رب. كنت انظر اليه واقول في نفسي من تراه يدعو ؟ الله؟ وهل سيستجيب له؟

تبين لي ان هذا الشاب من طائفة تسمى الموحدون، نصارى لكن لا يؤمنون بالثالوث ولا الوهية المسيح... في صلاة الفجر قرأت قوله تعالى (ولأول مرة أفهمه):" مالك يوم الدين" سورة الفاتحة. 

نعم، هو مالك يوم الدين، بيده مفتاح الجنة وجهنم، لا بيد اياً من خلقه. فلا انا ولا غيري يعرف من سُيشمل برحمته التي وسعت كل شيء..

حين قرر اربعة شبان ان يدخلوا الجنة من باب الشهادة وفجروا انفسهم في قطارات لندن، جاء شخص وكتب على باب مسجدنا

Bombers, Go home

فتذكرت انه مالك يوم الدين.

بعد سنوات من العمل مع المجتمع المحلي، فتح ابواب المسجد للضيوف، نشاطات دعوية واحتفالية، حسن التعامل مع جيران المسجد، جاءتنا رسالة بدون اسم يقول كاتبها انه هو من كتب على باب المسجد تلك العبارة، وهو اسف. تذكرت حينها انه سبحانه مالك يوم الدين.

حين خسر المسلمون في أُحد وقُتل سبعين من الصحابة، بدأ رسول الله عليه الصلاة والسلام يدعو ويقنط في كل صلاة على صناديد قريش، فأنزل الله تعالى في سورة ال عمران: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون. حين تعلمت هذا ايقنت معنى: مالك يوم الدين.

.. 

نحن لا ندري من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار، ولا نقرر ذلك، لكننا نعلم يقينا انه سبحانه هو مالك يوم الدين، وقد سبق اخبارنا بذلك اعلامنا انه هو الرحمن الرحيم، فالحمد لله رب العالمين.

مثاني:


قرأت مقولة منذ زمن لابن الجوزي في صيد الخاطر يقول فيها: ان اثر الموعظة في القلب كأثر السياط في البدن، كلما كانت اقوى دام اثرها اكثر. اقتنعت بكلامه ولمدة من الزمن كنت اقرأ وانشر المواعظ الشديدة التي تتحدث عن ثقل الذنب وشدة العذاب وغضب الله. مواعظ تتحدث لا عن صغر الذنوب لكن عن عظمة من عصيت. مواعظ تُذكرنا ان الله رقيب، سميع، عليم، وان عذابه هو العذاب الاليم. وفي القرأن الكثير من الايات التي تتحدث عن العذاب وهلاك من سبقنا، ايات تخبرنا اننا محاسبون وان الله لا تخفى عليه خافية، ان كلنا الى جهنم ثم- وثم تفيد الترتيب لا التعقيب- ثم ينجي الله المتقين. وقصص السلف لا تخلو من هذه الاثار والمواعظ التي دائما تذكرنا بتقصيرنا في حق الله وعظم ذنوبنا وكثرتها وقلة استغفارنا وتذكرنا للموت واليوم الآخر.

قبل قرابة السنتان قرأت حديثا في الصحيحين يخبرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل لم يعمل حسنة واحدة في حياته، وعند موته أمر ابنائه ان يحرقوا جثته وينثروا الرماد عند البحر في بوم عاصف لكي لا يبعثه الله، وكان امر الله كن فكان وسأله رب العزة لما فعل ما فعل فقال: خفت لقائك، فغفر الله له. رجل لو سمع به اهل المواعظ لأقسموا بالله أنه في النار، لو سألت عن فعله أياً من أهل الدعوى لقال انه حطب جهنم لا محالة.

يقول الله تعالى في سورة الزمر: الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله... مثاني، كما فيه ذكر جهنم يلي ذلك او يسبقه ذكر الجنة، ذكر المغفرة والرحمة وسعتها، فلماذا نصر على ان نخاف الله اكثر مما نرجوه؟ لماذا يصرّ كثير من الدعاة على ان تكون الموعظة كالسياط، لا كالبلسم؟

حدثني قريب لي من القدس عن شيخ كان يعطي دروس في المسجد الاقصى (اوائل القرن الماضي) وكان دائما يُحدث الناس عن العذاب وعن جهنم، وفي يوم وخلال الدرس غُشي عليه وغاب عن الوعي للحظات، وعندما فتح عينيه قال للناس انه رأى انه قد ألقي به في جهنم وسمع من يقول له هذا ما تخوف الناس به، فلما لا تحدثهم عما يحبون من نعيم الله والجنة.



القليل من المثالية

القليل من المثالية لكي ننجح

تستوقفني الكثير من الخواطر والكتابات التي تدعو وتحث وتحفز للايمان. مواعظ ايمانية تستقي من القرآن ومن سير النبوة والصحابة، مواعظ وقصص لو اتبعناها لكنا خير امة اخرجت للناس، لكنا لسنا خير امة، ولا يشكك اثنان على مدى الهزيمة التي نعيش، فلماذا لا نكون كما أولئك الذين سبقونا بالايمان لكي ننجح؟

  فواتح سورة الانفال والتي نزلت مباشرة بعد اعظم نصر للدعوة النبوية- غزوة بدر، تتناول الايات الاوائل حكماً ربانيا بمسألة الانفال: يسألونك عن الانفال، قل الانفال لله والرسول، فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم. نعم، الاية تفصل في نزاع الصحابة الذين شهدوا بدرا وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: لعل الله اطلع على اهل بدر وقال اعملوا ما شئتم فلقد غفرت لكم. هؤلاء الصحابة تنازعوا، وعلى ماذا، على الغنائم، على الدنيا، طبعا لا نستطيع ان نذكر ذلك دون الاشارة الى قبولهم بحكم الله والتسليم بان الغنائم لله والرسول. لكن يبقى الدرس ان اعظم وانبل مجموعة لم تكن بالمثالية التي ندعو لها، ولم تكن تمشي على الصراط المستقيم الذي نتخيل انه خط رقيق، وانما كانت على طريق عريض تميل وتتمايل ضمن حدوده الواسعة.

ان طلب المستحيل يُحتّم الفشل، وتوقع غير الممكن من الناس يؤدي الى البقاء ساكنا. دائما ما نطلب النجاح ولكن الوصف الذي نضعه للنجاح غير ممكن ولذلك نبقى نحكم على انفسنا بالانحطاط والفشل، النجاح ليس فقط الوصول للغاية، النجاح هو المحاولة.  

Friday 16 January 2015

اميتوا الباطل

نشر الباطل

في أيلول من عام 2005 نشرت مجلة دنماركية لا يعرفها احد رسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم. بعد أشهر من الحشد و "التوعية" والدعوة للانتقام لرسول الله، مات او بالأصح قُتل ما يزيد عن المئة من المتظاهرين المسلمين على يد الشرطة والعسكر المسلم، وعرف العالم كله بهذه المجلة وبالرسومات، نعم، نجح المسلمون بنشر الإساءة لرسول الله.

هدد قس لكنيسة لا يتجاوز اتباعه "حمولة بك اب" بحرق نسخ من القرآن الكريم، غضب المسلمون في كل أنحاء العالم ونجحوا في حشد غضب شعبي ضد تيري جونز، وأصبح هذا المجهول شخصية عالمية يتحدث على الفضائيات بسب الله ورسوله وكتابه. مرة أخرى نجح المسلمون بنشر الإساءة للإسلام.

تشارلي هبدو، مجلة فرنسية ساخرة، ومغمورة، هذا الأسبوع وبفضل جهود المسلمين طبعت تشارلي هبدو مليون نسخة من مطبوعتها ونفذت من السوق في أول يوم، فطبعت ثلاثة ملايين نسخة. نعم، ننجح دائما بنشر الإهانة للرسول والإسلام.

إن غضبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إن غضبت لدين الله، إن غضبت لكتاب الله، فلا تساعد على نشر الإساءة. رحم الله عمر، كان يقول : اميتوا الباطل بالسكوت عنه..