Sunday 25 January 2015

مثاني:


قرأت مقولة منذ زمن لابن الجوزي في صيد الخاطر يقول فيها: ان اثر الموعظة في القلب كأثر السياط في البدن، كلما كانت اقوى دام اثرها اكثر. اقتنعت بكلامه ولمدة من الزمن كنت اقرأ وانشر المواعظ الشديدة التي تتحدث عن ثقل الذنب وشدة العذاب وغضب الله. مواعظ تتحدث لا عن صغر الذنوب لكن عن عظمة من عصيت. مواعظ تُذكرنا ان الله رقيب، سميع، عليم، وان عذابه هو العذاب الاليم. وفي القرأن الكثير من الايات التي تتحدث عن العذاب وهلاك من سبقنا، ايات تخبرنا اننا محاسبون وان الله لا تخفى عليه خافية، ان كلنا الى جهنم ثم- وثم تفيد الترتيب لا التعقيب- ثم ينجي الله المتقين. وقصص السلف لا تخلو من هذه الاثار والمواعظ التي دائما تذكرنا بتقصيرنا في حق الله وعظم ذنوبنا وكثرتها وقلة استغفارنا وتذكرنا للموت واليوم الآخر.

قبل قرابة السنتان قرأت حديثا في الصحيحين يخبرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل لم يعمل حسنة واحدة في حياته، وعند موته أمر ابنائه ان يحرقوا جثته وينثروا الرماد عند البحر في بوم عاصف لكي لا يبعثه الله، وكان امر الله كن فكان وسأله رب العزة لما فعل ما فعل فقال: خفت لقائك، فغفر الله له. رجل لو سمع به اهل المواعظ لأقسموا بالله أنه في النار، لو سألت عن فعله أياً من أهل الدعوى لقال انه حطب جهنم لا محالة.

يقول الله تعالى في سورة الزمر: الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله... مثاني، كما فيه ذكر جهنم يلي ذلك او يسبقه ذكر الجنة، ذكر المغفرة والرحمة وسعتها، فلماذا نصر على ان نخاف الله اكثر مما نرجوه؟ لماذا يصرّ كثير من الدعاة على ان تكون الموعظة كالسياط، لا كالبلسم؟

حدثني قريب لي من القدس عن شيخ كان يعطي دروس في المسجد الاقصى (اوائل القرن الماضي) وكان دائما يُحدث الناس عن العذاب وعن جهنم، وفي يوم وخلال الدرس غُشي عليه وغاب عن الوعي للحظات، وعندما فتح عينيه قال للناس انه رأى انه قد ألقي به في جهنم وسمع من يقول له هذا ما تخوف الناس به، فلما لا تحدثهم عما يحبون من نعيم الله والجنة.



No comments:

Post a Comment