Monday 25 January 2021

نجيب ‏محفوظ ‏وأنا ‏وجهلي. ‏. ‏. ‏

بداية ونهاية


انتهيت ليلة أمس من قراءة هذه المأساة، وكنت في حيرة ان أكتب عنها أم لا؟ فقررت ان أكتب عن كل ما كتب نجيب محفوظ، بإختصار.

روايات نجيب محفوظ

بدأت قراءة روايات نجيب محفوظ وأنا في المرحلة الثانوية، وكنت أستمتع بأسلوبه البسيط والسلس في السرد، وقد قرأت الكثير من إنتاجه الغزير جداً، وكانت الرواية المفضلة لدي هي ملحمة الحرافيش (سأتحدث عنها لاحقاً). ثم بدأت أقرأ لعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا ووجدت نفسي أبتعد عن "بساطة وسلاسة" محفوظ وأستغرق في فلسفة وإسترسال جبرا ومنيف.

إستمر إنقطاعي عن محفوظ إلى عام ٢٠١١ حين قررت قراءة روايته التي فاز بها بجائزة نوبل للأداب: أولاد حارتنا. وجدت نفسي أستمتع بقراءة الرواية أكثر مما ظننت، ووجدت أني أستمتع بأسلوب نجيب محفوظ السلس، وطريقته في وصف الحارة المصرية وسرد الأحداث ببساطة وكأنك تستمع لصديقٍ أو جدٍ يُحدثك عن "أيام زمان".


في منتصف الرواية أدركت الرمزية في الرواية، فنجيب محفوظ لا يتحدث عن الجبلاوي وانما عن الله، وأولاد الجبلاوي هم الخلق جميعاً، وحتى عرفة في نهاية الرواية وهو يخرج معلناً موت الجبلاوي هو نيتشه معلناً موت الله (كنت قد كتبت من قبل عن موت الجبلاوي في مدونتي).

وقد أخذتني الدهشة فهذا ما لم أعتاده في نجيب محفوظ، ولذلك استغرقت وقتاً لأدرك الرمزية الواضحة جداً في الرواية. حينها بدأت أعيد النظر في كتاباته، وكيف أنه في خلال الصفحات التي تتدفق كنهر يرمي بجملة هنا وجملة هناك لمن يريد أن يبحر في البحر لا أن يبقى في النهر، وإن أردت الغوص في المحيط فما عليك إلا أن تبتعد قليلاً لتدرك معانيه ورموزه وفلسفته.

عدت سريعاً بذاكرتي إلى ملحمة الحرافيش، رواية توازي حجماً الجزء الأول من مدن الملح،   وكيف سرد فيها تفاصيل أكثر من عشرة أجيال من الفتوات بكل ما تخللها من صراعات وخيانات. وطالما حاولت أن أضعها في حقبة زمنية، ولكني دائماً أجدها خارج الزمان، وكأن محفوظ يقول أن الفقراء والمطحونين يعيشون خارج دائرة الزمان، فالعالم لا يهتم بهم وما يلحقه من تغيير أنظمة وتطور لا يمس حياة الفقراء إلا ليزيد إحباطهم وفقرهم.


آخر الفتوات في الملحمة هو عاشور، وهو أول الفتوات، هو نصير الغلابة وابن الفقراء، وهو القوي في جسده الرقيق في قلبه. وفيه ترى دورة الزمان كاملة حين يرجع كل شيء إلى بدايته، او ترى ان هزيمة الشر مرة كل عدة قرن، ثم يعود الشر فينتصر لقرون.

أما رواية بداية ونهاية فهي مأساة الفقراء، الذين كُتب عليهم ان يولدوا ويعيشوا ويموتوا فقراء، وأولادهم من بعدهم سيرثوا فقرهم وعارهم، فلا مهرب من هذه الحلقة إلا بالموت، إختياراً ام إجباراً. وقد قال نجيب محفوظ عن الرواية أنها شرع في كتابتها ك كوميديا ليسخر من عائلة سيئة كانت تسكن في الجوار، وخلال تدرج النص بدأ يشعر بمعاناتهم ويحزن لمأساتهم، فتحولت إلى تراجيديا عن الواقع الذي يعيش فيه تللك الطبقة من المجتمع.

كتابات نجيب محفوظ بالنسبة لي هي كلوحات فيرميير
Johannes Vermeer


بسيطة عن بعد، جميلة بكليتها وطريقة تصوريها، وان أمعنت النظر وجدت أدق التفاصيل مرسومة بأدق الحرفية، وإن تمعنت في الجدار المقابل الذي لا يثير إهتمام أحد، وجدت تدرج الضوء على ذلك الجدار الأبيض الذي هو من أصعب ما يمكن رسمه، فهي لوحة تحمل الجمال والبراعة، وهي تحتوي التقنية والفنية، وهي شيء يصعب إعادته أو تقليده.

أحمد بكر


1 comment: