Saturday 16 October 2021

بطلت أصلي الجمعة

أمس، وأنا جالس في صلاة الجمعة قررت أن أتوقف عن حضور الجمعة. 


كثيرون، وأنا منهم، يؤمنون بأداء الفريضة وحتى إن كانت النتيجة فقط إسقاط الفريضة عنّا. وصلاة الجمعة منذ زمن تقبع في هذه الزاوية من أداء الفرائض، فقط لإسقاط الفريضة. 

منذ بضع سنوات لا أذكر أني جلست في خطبة الجمعة مستمعا بقلبي وعقلي لما يقوله الخطيب، أو أني تأثرت بكلام خطيب وأنه وصل قلبي، بل على العكس تماماً أحول ان لا استمع لهذا الغثّ، ليس لأن قلبي مات، بل لتفاهة الخطب والخطباء. وفي كثير من المرات أسأل اولادي عن الخطبة، فلا يعرفون عماذا كان موضوعها والفكرة منها، وفي أحيان أخرى أحاول ان أصحح مباشرة ما قد يرسخ في ذهنهم من أخطاء غبية أو فاضحة قالها الخطيب. ورغم ذلك، استمرت الخطب السيئة واستمر حضوري. 

منذ نهاية آذار /مارس تغير عملي وأصبحت مضطراً لأن أداوم يوم الجمعة. وفي مصلى المستشفى تقام صلاة الجمعة ويشرف عليها بعض المتطوعين. وحسب المذهب الحنفي لا بد ان تكون الخطبة باللغة العربية، وهذه هي خطب الجمعة نيسان لتشرين:
الحمد لله رب العالمين
خالق السموات والأرضين
والصلاة والسلام على رسوله الأمين
قال تعالى
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم... 


لأن الخطبة، عند الأحناف، واجب أن تكون بالعربي فقط، ويسبق الخطبة والأذان درس يسمى البيان، وهو عند غير الأحناف بدعة، وفي أفضل أحواله جائز شرعاً، وعند الأحناف وغيرهم ليس من خطبة الجمعة.

هذا طبعاً وضع خطأ، ومثل ما هو متوقع، تكلمت مراراً مع الإخوة القائمين على الخطبة، وهم ثلاثة، ورغم ما وعدني به إثنان منهم بإعادة النظر بالموضوع، لم يتغير شيء.
في حديثي في إحدى المرات مع الشخص المسؤول (صاحب القرار) عن الجمعة وهذه الطريقة، أوضح لي أن هذه الخطبة تم إقرارها من قبل علماء وشيوخ، وهي متوافقة مع شروط الخطبة. قلت له أن السبب في إقرارها كذلك لتوافق الشرط الأساسي وهو وجوب الخطبة باللغة العربية، قال نعم، قلت له إذا الأوجب عليك أنت ان تتعلم العربية لا أن تختبئ خلف فتوة غير صالحة للزمان والمكان. 


السؤال الذي كنت أسأله لنفسي كل جمعة: ألا يُعد هذا إستغفال؟ تحايل على الشرع؟ مثل جماعة السبت الذين نصبوا شباكهم الجمعة لكي لا يكون صيدهم حرام، فهم حققوا ما أمرهم به الشارع، لكن ما فعلوه كان حسب النص أسوأ من عدم الطاعة.

إذاً، نعود للسؤال المهم: هل الغاية من أداء الفريضة هي إسقاط الفريضة؟ إن كان كذلك، فهذا نصب واحتيال على الرب. طبعاً البعض قد يقول أن الجمعة إجتماع الناس، وليس فقط الخطبة، وهذا كلام صحيح في قرية في القرن الماضي، أما الآن (خصوصاً في هذه البلاد) فالكل يحضر ليخرج مسرعاً بعد أن أسقط الفريضة. 



نحن نتحايل في كثير من أمور حياتنا باحثين عن مخرج شرعي لأمر ما، لكن أن نحيا كل حياتنا نخدع أنفسنا ونحن ظانين أننا خدعنا الله فهذا أغرب الغريب. وهذا، إن أمعنت النظر في تاريخ المسيحية، هو ما أدى إلى إنهيار سلطة الكنيسة، وبالتالي الدين، وإنحسارها عن مجريات الحياة و توجه الناس إلى اللا تَدَيُّن (ليس الإلحاد)، وهو ما يواجه مجتمعنا الأن. 

المسألة ليست خطبة جمعة، بل هي أساس من أسس الدين وقواعده، وقد سبق أن تحدثت عنها، وهي صلاحية التشريع عبر الزمان والمكان. ما أجده دائماً هو جمود وتزمت (وأنا كنت هكذا لزمن) في القواعد و الأصول، ومحاولة ثني الزمان ليتناسب مع الشريعة، ولوم الناس على عدم ملائمة الأحكام للحياة. وفي أحسن الأحوال إخراج فتاوى ظاهرها توافق مع الدين، وحقيقتها نصب واحتيال. 

الآن، أنت شو رأيك؟ أصلي الجمعة؟ 

أنا متأكد ان أحداً ما سيقول: خذ الجمعة إجازة وصل في مكان أخر! وأخر سيخاف من التفكير في الموضوع لما فيه تحدي صارخ لأحد أهم الفرائض. وربما ثالث سيقول هكذا الوضع في غالب المساجد، فقم بما عليك ولا تكلف إلا نفسك. وهذه الآراء الثلاثة تلخص وضع المجتمع المسلم اليوم.... 

أحمد بكر... 


Sunday 10 October 2021

العامرية ‏



في حديث ماتع ممتع مع الأصدقاء محمد هنداوي ومحمود أبو فايد، ذكرا الفنان نصير شمة وعمله الإبداعي المسمى العامرية (والصديقان عازفان، وانا ناقد) ، وكيف أنه جسّد الحدث من خلال معزوفة رائعة. وذكرا أيضاً ومن باب المفارقة، ان شخص مصري إعتقد أن العمل عن قصة حب، وليس مجزرة العامرية. قلت ربما هذا من باب الإبداع، وليس الكل قد سمع بقصة الملجأ، لكن الموسيقى حررت من سمعها ليحلم بما يريد، فذاك بكى على قصة الحب، وآخرون بكوا دم الأبرياء في الملجأ والموسيقى واحدة.. 






سهرت طيلة الليل مع هذه الفكرة، قصة العامرية مع الملوح، وقصة ملجأ العامرية، المجزرة التي راح ضحيتها ٤٠٠ من الأبرياء، وأسطورة الحب الخالد التي لا زال الناس يحكونها و يبكونها. هل هناك تشابه؟ قلت لما لا، قد يكون، وها أنا أروي لكم ما حدث كما أخبرني به قيس:

الثلاثاء ١٢ فبراير ١٩٩١..
خرجت أمشي، لم أدر أين أذهب، كنت أريد الهرب، مللت الموت وإنتظاره، فأطلقت لقدمي العنان لتذهبا حيث شائتا، فالموت في كل مكان، وهذه السماء لم تُنزل علينا سوى الحمم والهلاك. وجدت نفسي في العامرية، متى كنت هنا أخر مرة؟ لم تكن الشوارع مزدحمة، فالسوق ليس فيه إلا فاقدي الأمل مثلي، أو من إضطرته الحاجة إلى تحدي الموت. 
من بعيد رأيت طيفاً حسبت أني أعرفه، إزدادت خفقات قلبي وتحشرج صوتي، نعم إنها ليلاي، هناك بعيداً، نسيت الموت المحلق فوقنا كالصقر وظننت أني رأيت السماء تنفرج عن قوس قزح. أردت أن أصرخ إسمها وأجري نحوها، لكن، تمالكت نفسي، شاهدتها تمسك طفلتين بيدها! سِرتُ ببطء نحوها وحين أدارت رأسها رأتني، شهقت كمن رأى طيف ميت: قيس؟ 
قلت : نعم
قالت: أنت حيّ... أين كنت؟ 
قلت في الأسر في إيران إلى قبل سنتين... وأنت، تزوجت وأنجبت بعد فراقي؟ 
قالت، بعد أن مسحت بأطراف البنان مدامعها، لا لعمرك ،انتظرتك حتى ملنيّ الإنتظار! 
قلت: والأطفال؟
قالت: مريم، وفاطمة، أيتام، نذرت نفسي لتربيتهم. ألم يكن حلمك أن تنجب بنات كثر ليعمروا العراق بالحب بدل الدم الذي لطخه لقرون؟ 
أردت أن أرقص فرحاً، لكن الرقص في وطني في المأتم فقط، أن أطير عالياً، لكن الطيران في بلدي لقاذفات الصواريخ. بكيت، فنحن نبكي حين نفرح، ونبكي حين نحزن. 

وفي لحظة إنطلقت صفارات الإنذار، لم أدر ما أفعل، قالت: دعنا نذهب جميعاً إلى الملجأ، ملجأ العامرية... 
دخلنا الملجأ الذي بدأت أفواج الحجيج تلجه، شيوخ، نساء، أطفال، وأنا وليلى وهذا الليل، والليل ملحُ.
الخوف في الخارج يتساقط من طائرات التحالف ليصل الأرض حمماً ويصعد إلى السماء موت. ونحن نجلس في الملجأ ننتظر الفرج، أو الهلاك، لا ندري من يصل أولاً. أردت أن أحلم بغدٍ جميل، بعراق يتسع لنا الأربعة، يعطينا ما فقدنا من عمرنا ويرسم شيئاً من السعادة على وجوه الأطفال.

تجاوز الليل نصفه، بعض المتقين قاموا ليصلوا قيام الليل، أردت أن أقف معهم لكن لم أدري ماذا أدعو؟ ولمن؟ وعلى من؟ فآثرت البقاء في مكاني بعدما أضعته لسنوات. ليلى نائمة، مسندة ظهرها إلى الحائط وفي حجرها تغفو مريم، أما فاطمة فوضعت رأسها على فخذي، وبدأت تلعب بجدائلها إلى أن غلبها النعاس.. استيقظت ليلى قبيل الفجر بلحظات فوجدتني مستيقظاِ أحرس حلمها من الواقع، ابتسمت لي وقالت لي: هل سنموت اليوم؟ قلت: أرجو أن نعيش.. قالت: لا أدرِ أيهما أفضل، أن نموت ونحن نيام، ولا نشعر بالموت يخطفنا، أم ننظر إلى الموت بأعيننا وهو يدخل من هذه الجدران ليحملنا إلى سيده.. قلت لها، أنت أجمل من الحياة وأجمل من الموت. 

ساد الصمت، لم يعد للكلام معنى. 

شعرت بجسدي يهتز، رأيت الموت على ظهر صاروخٍ يدخل الملجأ، يتجول بيننا، يبتسم، يضحك، ثم يبكي، فرحاً بلقائنا، فهو مثلنا يبكي في فرحه وحزنه. والآن أنا والعامرية معاً إلى الأبد، في سلام الموت بعد أن عجزت أن تتسع لنا هذه الحياة.. 


أحمد بكر 







اللوحة لعلاء بشير تجسد المجزرة


هذه الأبيات المنسوبة لقيس بن الملوح

ولما تلاقينا على سفح رامة 
وجدتُ بنان العامرية أحمرا 
فقلت خضبت الكف بعد فراقنا؟
فقالت معاذ الله ذلك ما جرى
ولكنني لما رأيتك راحلاً 
بكيت دمًا حتى بللت بهِ الثرى
مسحت بأطرافُ البنان مدامعي
فصار خضاباً بالأكف كما ترى



Saturday 9 October 2021

Squid Game: its not that good

 




Squid Game: its not that good

 

 

Like many millions, I watched this Netflix series, and after the second episode I fell in love with the concept, but I was bored, still I carried on just because I did not have anything else to watch.

The director and writer had the idea for over ten years, it was originally intended as a movie, but with Netflix on board it became a series, and potentially a franchise.

Did you read Lord of the Flies? If so think of the children doing what they had to do on the island not to survive but to win a sum of money. The ideas of Lord of the Flies are all over the series, are humans inherently evil? Do people care about others? Do we become who we are because of society and influence, or we are destined to be like this?

 

Of course there is more to this series than Lord of the Flies, namely the players in the game had a presumed free will to stop the game, and at some stage they did. Now they are free, back in the real world, can do whatever they wish to do. They quickly realised that “free will” is an illusion, and their lives in this capitalist society are meaningless. They also realised that this free-market economy does not give you any chance to make something out of your life, social mobility has stagnated, and we are locked in our classes, generation after generation. What do they do? What would you do, given the chance? Live the same life, knowing that hopes you have are lies you keep telling yourself, or take this one chance and play: Squid Games?

 

That juncture -in episode two- was a very well written and acted moment in the series, the philosophical meaning of it was very powerful, however, the show could not maintain that level of meaning and tension afterwards.

You could easily see how Netflix wanted to stretch this into 9 episodes not just 3 or 4. Introducing the doctor, which had limited addition to the story and harmed the believability aspect of it. In general, when watching fiction we activate what is known: suspension of disbelief, so we can go along  with the story (think of Marvell movies), however, once the unbelievable things increase and stop making sense, then we become very critical of the whole story. Squid Game would have been better if the cop was not there, dropped the organ harvesting section of the story, focused more on the players, and maybe, if it was given a proper ending, and I can think of many. Instead, we had our main character, who represented a great section of society, running to go back to the games, not for any reasons other than: “to be continued”.

 

I hope I did not spoiled it for you, watch it, and let me know what do you think..

 

Ahmad Baker

 

 

 

Thursday 7 October 2021

أرجوحة ‏اللغة

(كلام عن جمال القول) 


أحب اللغة، العربية خصوصاً لكن أي لغة، حين تستطيع الكلمات ان تكون أرجوحة تحملك بين الأرض والسماء، تحلق عالياً فوق المفردات التي لم تتخيل إنها اذا صُفَّت هكذا صارت غيماً وسهلاً وشمساً وأشياء أخرى...

دعني أوضح لك:

يقول امرؤ القيس :
مكر مفر مقبل مدبر معاً، كجلمود صخر حطه السيل من عل


عمرك ركبت خيل؟ عدا عن لفة على الحصان في مناطق السواح بدينار او اثنين، أكيد لا. اذا انت مثلي، وعندما أقرأ بيتاً كهذا أتخيل ذلك الفرس الأصيل، ممشوق القوام، قوي العضلات، سريعاً كأنه صخور تنهال من فوق جبل ضخم، يصيبني الرعب من هول المنظر، وتتملكني رغبة جامحة بإمتطاء هذا الجموح، وهنا الأرجوحة.. 

وقال المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسمعت كلامتي من به صمم
عمى، بصر، صمم، سمع، واضحة! 


وقال البرغوثي 
لستم بأكفائنا لنكرهكم, وفي عداء الوضيع ما يضعُ

نعم، بلدي محتل، قريتي نُسفت، أهلي هُجّروا، والعدو يفتك بشعبي، نعم نحن في الحضيض، لكن هذا العدو ليس نداً لنا، ولا يستحق حتى أن نكرهه، فكرهنا وعدائنا له يرفع من قيمته، ونحن في القمة، وبين القمة والحضيض أنصب أرجوحتي... 


ويقول عدنان الشبول (ليس لأنه صديقي، ولكن لأني أحب الترنح فوق قصائده) 

وفـردْتُ أجـنحةَ الحروفِ محلِّقًا ... حولَ الحقيقةِ وارتضيتُ عذابي
الحروف ترابطت، فصارت كلمات، والكلمات ترابطت وصارت قصيد، فطار القصيد محلقا، لكن طيرانه لم يبعده عن الحقيقة المرة التي أطلقت هذه المشاعر، فلا الطيران أبعدنا عن همومنا، ولا التحليق رفعنا عن الأرض التي نحن منها واليها، وبين التحليق ومرارة الهبوط تتحرك الأرجوحة.. 



ويقول السياب
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر .
ارض السواد: العراق، أرض الطيبة والجمال. غابات النخيل تملأ المدى في عتمة الليل، والقمر يُضفي بياضاً خفيفاً فوق هذا الهدوء الساحر، فلنرتحل هناك باحثين عن الجمال، جمال العيون السود، وانت تجلس امامهما على شرفة، تمتد منها أرجوحة، تصلك بالوطن، بالعيون، بالحب، بالليل، بالسكون التام قبل انحلال عقد الليل الأخيرة، وفي داخلك تتفجر المشاعر وفي ليل العراق الهادئ تتضرم نيران الثورة، هل أنت مستعد، إذا فليسقط المطر...
 

أظن وصلت الفكرة، لكن أضع مقتطفات أخرى دون شرح.. 
يقول أحمد شوقي:
دخلتك والأصيل له إئتلاق ووجهك ضاحك القسمات طلقُ


وغنت فيروز:
لمّا بغني اسمك، بشوف صوتي غِلي، ايدي صارت غيمة، وجبيني عِلي..

ويقول حميدي الثقفي
اصرخ ولكن تحتضن صوتي اقواس 
وجمرة قلم مرتد تشعل كفوفي ...
كل ماتكسر للقلم بيدرالماس 
حدر السنابل تورق اغصان خوفي



وغنى سميح شقير
بيني وبين أهلي وناسي رمية حجر
جمحة فرس
خطوة فوق شريط وخطوة
فوق خوذات الحرس


وهكذا أنا دائماً، أتأرجح بين مفردات اللغة، أعيش بين الإستعارات والتشابيه، فلا أشبه نفسي ولا تشبهني، لكن كلام الشعراء يشبهني، يُقربني إلى نفسي، إلى آناي.