Sunday 16 January 2022

النسوية..

 

قرأت قبل مدة كتاب لكاتبة بريطانية إسمها هيلين لويس، إسم الكتاب

Difficult Women



وترجمة العنوان حرفياً تكون

نساء صعبات

وربما الترجمة الأقرب هي

نسوان مشكلجيات

 لا شك أن لفظة "نسوان" في مفهومنا اللغوي فيها تحقير، لكن قصدي من إختيار هذه اللفظة ربما لإبراز النقيض من ذلك.


بدايةً، ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع ورغم أني قرأت الكتاب قبل مدة هو تداول العديد من فيديوهات مشايخ يردون ويتحدثون فيها عن مطالب الحركات النسوية. وكلامهم، بلا شك منطقي، لكن كذب (سأوضح فيما بعد سبب هذا الإتهام).


هيلين لويس أدرجت ١١ مسألة قاتلت النساء المجتمعات من أجل تغييرها، وهي تتلخص من وجهة نظري في ربما ٣ مسائل:

التعليم

العمل

الولاية

والولاية هي اكثرهن تعقيداً، فالزواج والطلاق وحق الانتخاب والتمثيل السياسي والكثير يقع تحت هذه المظلة. في كتابها، تعددت القصص عن كل مسألة، وإختلاف الأساليب والأدوات وردود الأفعال تجاه كل حركة/ قصة. لكن أهم ما طرحته الكاتبة، وشددت على التنويه عليه في الفصول التمهيدية ونهاية الكتاب هو إختلاف مفهوم النسوية ودرجة أو سقف أو نوع مطالب النساء. هذا الإختلاف دائماً ما يكون موجود في أي حركة سياسية أو أيدولوجية، ودائماً ما يستثمر أعداء هذه الحركة الإختلاف للتخويف من هذه الحركة وكيل التهم تجاهها.

الحركات النسوية في المجتمعات العربية تواجدت منذ بداية القرن الماضي، وليس لدي إطلاع أو دراية جيدة بهذه الحركات التاريخية، لكنها مؤخراً إكتسبت حجم وإنتشار وتأثير أوسع، وطبعاً إكتسبت عداء وهجوم ضدها أكبر بأضعاف من درجة تأثيرها أو حتى "خطرها"!


غالب، بل قل مجمل الحركات المعادية للنسوية - كحركة ومطالب ومفاهيم- تلبس عباءة الدين، فيكون المجتمع في جهة يحمي ويدافع عن الدين من هذه الجهات "المشبوهة" التي تريد تحطيم المجتمع.

شاهدت من أيام فيديو لمحمد راتب النابلسي يسرد فيه مطالب إحدى الحركات النسوية وكيف أنها تناقض أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا واحد من العديد من الفيديوهات التي يتحدث منتجوها عن هذا الخطر. ما يتجاهله منتجوا هذه الفيديوهات عمداً هو التوضيح أين تتطبق هذه الأحكام الشريعية، والأهم هو الجزئية المنتقاة للأحكام وكيف أنها تناقض مطالب الحركات النسوية. 

أريد التركيز على ٣ أمثلة محددة لتوضيح عمق مشكلة المرأة في مجتمعنا، وهي أمثلة أرجو من القارئ ان يتساءل، أن يتخيل، وأن يجد نفسه تجاهها:

إذا رجل وجد أن أخته المتزوجة قد مارست الجنس/ الزنا مع رجل غير زوجها، فقتلها، نجد ان القانون والمجتمع ينظر إليه بعين الرأفة. وفي حال وجد هذا الرجل أن أخاه المتزوج يمارس الجنس/ الزنا مع إمرأه غير زوجته، فغالباً ما سيغض الطرف أو ممكن أن يحسده، والمجتمع دائماً يقول: الزلمة ما بعيبه شيء! 


المشايخ دائماً يذكرون كيف أن بعض الحركات النسوية تطالب بالحرية الجنسية، ويقولون أن هذا ضد الدين وقيم المجتمع. لكن هل الحرية الجنسية التي يمتلكها الرجال في مجتمعنا، والمفردات اللغوية الموجودة لمدح الرجل الفحل، أليست هي الخطر الحقيقي الأكبر والأجدر بالإهتمام من الخطر الوهمي من فقط "مطالب"؟ 


المثال الثاني: إذا طُلقت المرأة، تسمى مطلقة، أما الرجل فيبقى رجل. والمجتمع في نظرته للمطلقة ينقسم بين من يلومها، ومن ينظر إليها بعين الشهوة والفريسة المحتملة، ومن ينظر إليها بعين الشبهة، ومن يتعاطف معها. 

هنا نفس المثال الأول، وكيف أن مجتمع قائم على مفاهيم ذكورية دائماً سيرفض أي فكرة للتغيير، وخصوصاً عندما تكون اللغة بمفرادتها والمجتمع بمكوناته تفضل الرجل. 


المثال الثالث، وهو شائك وبسيط: هل يمكن للمرأة أن تحكم؟ طبعاً نجد أبطال الديجيتال يذكرون الأحاديث والايات التي نصت على أن الولاية للرجل وأن المرأة لا يمكن لها بدنياً أن تتولى مناصب سيادية في الدولة. المضحك المبكي أننا أنفسنا لا نعرف من حقيقةً يحكم بلادنا، من محيطها إلى خليجها، ولا نملك أي قول في المسألة. وغالب أفراد المجتمع لا يجدون ضير من تمني الحياة في المجتمعات الغربية التي لا تشبه مجتمعاتنا، لا شك أننا لا نريد لأبنائنا أن يتربوا على قيم ومبادئ هذه المجتمعات، لكننا نريد لهم أن يحظوا بكل ما يحظى به أفراد هذه المجتمعات من ميزات، والتي نتمنى أن نرى مثلها في مجتمعنا، دون أن نسأل كيف تم تحقيق هذه الإنجازات/ الميزات؟ 


كثيراً ما أسمع مفكرون وإعلاميون وسياسيون يتحدثون عن ما حققه الإسلام للمرأة من مكانة بينما كانت المجتمعات الغربية حينها تعيش عصور الظلم والظلمة. لكن ما يتجاهله هؤلاء المتشدقون، عمداً، هو الحديث عن الواقع، وليس المجتمع المثالي الذي نحلم أن قد تحقق يوما ما! وقد قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ. للأسف الشديد نجد معظم المعادون للحركات النسوية هم الثرثارون والمتشدقون، يُصدّعون رؤوسنا بالحديث عن قيم ومبادئ لا وجود لها في المجتمع، ويقارنون ويقرنون المطالب النسوية بأحكام شرعية لا توجد إلا في الكتب. 



ما أثارته هيلين لويس في كتابه هو كيف أن تطرف بعض النساء في مطالبهن نجح في زحزحة المجتمع الذكوري ببطء نحو بعض الإمتيازات. لا أقول أننأ يجب أن نتبنى كل ما تطالب به الحركات النسوية، لكننا يجب أن نعترف أن هذه المطالب ليس كلها قابل للتحقيق، لكن بعضها واجب وملزم ومستعجل تحقيقه. 


إن كانت النسوية تريد تحطيم المجتمع، فعلينا، إن كان لدينا عقل، إعطاءها هذه الفرصة بل مساعدتها في تحطيم هذا المجتمع. لنعترف، مجتمعنا فاشل، نعم لدينا قيم سامية وجميلة لكنها الإستثناء، ونحن بحاجة ماسة للتغيير قبل أن ننتهي وننقرض، خصوصاً مع ما نراه من تغييرات ونجاحات للمجتمعات البشرية القريبة والبعيدة بينما لا زلنا نعيش في القاع. 

No comments:

Post a Comment