Tuesday 25 June 2013

أمي

خيط رقيق يفصل بين الموت والحياة، موتها وحياتي!

 2012 /07/025:كتبت 
حدثت السبت: 25/07/2009




هل من الممكن ان اسابق الزمن؟ هذا ليس بسؤال يحتاج الى إجابة، بل حتمية علي فعلها. 

في الساعة الثالثة تماما استيقظت، لا رسائل او اتصالات على الجوال. اتجهت الى المسجد لصلاة الفجر، انصرفت سريعا بعد الصلاة، و رغم حاجتي الملحة للدعاء، فالوقت لا يتسع! أسرعت الى البيت، أكملت حزم حقائبي، إتصلت بحسان وأخبرته أنني في الطريق اليه. لم يكن جاهزا حين وصلته فاضطررت للانتظار بضع دقائق. لا شيء على الجوال، لا اتصال او رسائل، عسى أن يكون خيرا.

انطلقنا الى محطة القطار، تبعد ما يقارب الساعة والنصف، لا يزال الوقت باكرا ولا ذكر للازمة. أعرف أن الاكتظاظ سيبدأ بعد قرابة الساعة، لا أستطيع أن أخاطر ولا مجال لأاضاعة الوقت، ما الوقت؟

بدأ الصبح يتنفس، الشمس تتسلق الافق والنهار ينتشر ببطء جميل، ذهني
 مشوش تماما ولا أجد أي متعة في المنظر. لا رسائل على الجوال ولا اتصالات، ما يطمئنني أن الموت غالبا ما يتسلل ليلا حينما نكون أقل انتباها، إذا بزوغ النهار يعطيني أملا أطول في الوصول قبل الموت، فليستمر النهار ما أمكن!

السيارة تعب الطريق عبا، السرعة القصوى سبعين ميلا وانا أمشي بين التسعين والمئة، أنظر الى الافق واتمنى ان أصل في لحظة. فجأة بدأ الدخان يتصاعد من عادم السيارة وتوقف المحرك. اتجهت بالسيارة الى جانب الطريق الى أن توقفت تماما. تشكلت بقعة زيت كبيرة تحت مقدمة السيارة، لم تعد تستجيب للمفتاح، ماتت السيارة؟ هل ممكن ان يكون لهذا معنى؟ هل هناك دلالة؟ لا أريد أن أعرف، كل ما أريده هو الوصول الى محطة القطار.

تركت حسان الى جانب السيارة وبدأت الابتعاد عنه الى ان قطعت بضعة مئات من الامتار. لا أريد أن يظن أحد أني أريد المساعدة مع السيارة، بدأت بالاشارة للسيارات أملا أن يتوقف أحدهم، وفعلا توقف رجل لا يتحدث الانجليزية، لم يفهم ما أريد ولا أنا عرفت ما يقصد، لكن ركبت. مشينا لحوالي الميلين الى ان وصلنا الى محطة وقود، توقف وأشار لي بالمغادرة. شكرته ونزلت راكضا الى السيارات المصطفة وعند اول سيارة توقفت، وفي عجالة قصصت للرجل أحداث يومي ورجوته أن يساعدني وعرضت عليه المال، نظر الي بتمعن، تفحص حقيبتي ومنظري، قال اركب، سأوصلك. تسألت في نفسي لو أني مكانه أتراني قدمت المساعدة أم إعتذرت، لا أريد أن أعرف.

وصلت محطة القطار، رفض الرجل أن يأخذ أي مقابل، شكرته بحرارة وركضت الى القطار. انتهيت من الاجراءات التفقدية ونزلت الى المنصة انتظر القطار. لا جديد على الجوال، لا رسائل او اتصال. 

تحرك القطار سريعا، وقفت في الممر، فتذكرتي (لاني اشتريتها متأخرا) لا تحمل رقم مقعد. لم أحتج، لا يهمني ان أجلس، كل ما يهمني هو أن أصل. بعد أن إقتربنا من النفق الواصل بين بريطانيا وفرنسا مر بي أحد العاملين وأشار الي بالتوجه الى الحافلة رقم خمسة حيث الكثير من المقاعد. ما ان وصلت حتى ألقيت ثقلي على الكرسي الوثير، كم كنت متعبا وارغب بالنوم. 
ما ان خرج القطار من النفق حتى رن الهاتف: ليس ما أظن وأمل وأحاذر، انه شهاب ليخبرني انه سينقل السيارة من جانب الطريق السريع، للحظة كدت أنسى ما قد حصل، كدت أنسى من أنا وما هو تاريخي. كل شيء بدا سرابيا مهملا، كل ما كان يهمني هو أن أصل قبل الموت، وكل ما عدا ذلك هو أحاديث مهملة...


وصلت الى بروكسل، تذكرت ان أغير الساعة الى التوقيت الاوروبي، إقتربت ساعة أخرى!

وصلت مطار بروكسل الدولي، الساعة تجاوزت العاشرة بقليل، موعد الطائرة في الرابعة. الكثير من الساعات، مطار، انتظار وانا الغريب الوحيد.
ماذا يمكن ان تفعل لملأ الوقت: 
القراءة، لم أستطع أن أقرأ صفحة واحدة من أي شيء. المصحف، كتبي التي في الحقيبة، الجريدة الانجليزية، لا شيء. انظر الى الاحرف والكلمات فلا أرى شيئا، أجبر نفسي غصبا ولكن بعد محاولات جاهدة أكتشف أني لم أتجاوز الا سطر.

القهوة، كم من القهوة تستطيع ان تشرب، كم من هذا السائل البني المر يستطيع الجسم ان يمتص؟ الكثير، هذا ما أثبته خلال ذلك الانتظار القاتل. ولكن لعنة القهوة انها تشعل الدماغ وتنبه الاعصاب، وأنا دماغي يدور كما محركات الطائرات حولي، أشعر بخلايا مخي وهي تدور، أشعر بالدم يتدفق في شرايين رأسي، أسمع كل ما يتحرك بداخلي، أكاد أجن!
أنظر الى الساعة على معصمي، تتحرك، ولكن ببطء شديد، ربما معطلة! أقارنها بالساعات الرقمية في المطار، الوقت متطابق، ولكن هي أيضا بطئة جدا. 

بعد الكثير من القهوة، الكثير من المشي وقياس المسافات في هذا المطار، وبعد العديد من المحاولات الفاشلة في القراءة، أنظر الى الجوال، لا شيء، لا رسائل أو إتصال. 

كوب القهوة: عشرين دقيقة، المشي بين لوحة الرحلات، ومن ثم الى كاونتر الملكية لا يأخذ أكثر من دقيقتين، والى بوابة المطار الخارجية دقيقة أخرى. قضاء ساعة واحدة يحتاج الى الكثير من المهارات والادوات، لكن هنا كل ما لدي هو الملل، وتربية الامل!

أجلس على الرصيف في الخارج أراقب المودعين، أكره أن يصحبني أحد الى المطار لتوديعي، تشعرني أني لن أعود! العجيب ان بعد كل هذا السفر والبعد لا زلت أعتقد أني سوف أعود!

لو انها ماتت فلا بد انهم سيؤجلون اخباري حتى أصل، لو أنها تحسنت اذا سيسارعون الى تطميني. لا رسائل، لا اتصال!

لا تزال الساعات تتأمر علي، الوقت يتباطأ أكثر وانا أشعر بذلك، أتسأل أتراه يحث السير مسرعا هناك بينما يتباطأ هنا؟ ربما، لا أدري وأخاف أن أتذكر ان إقتراب الليل يعني اقتراب الموت، لا أريد أن يقل إنتباهي، لا أريده أن يتسلل خلسة، ولكني لست هناك لأحرسك وهاهو الوقت يخذلني ويخونني.

ساعات طويلة تلك التي مرت وانا اقطع الوقت وهو يقطعني، ركبت الطائرة أخيرا. بعثت برسالة من جوالي لاقول اني في الطريق، لا رد! 
ربما انهم مشغولين، ربما لا يريدون أن يشغلون بالي. لو أنها ماتت، فلا بد أنهم سيتصلون، او يقولون شيئا، فالكل يعلم اني وحيد هنا أسابق الزمن. لا رسائل، لا اتصال.

لا أذكر من تفاصيل الرحلة سوى اني ركبت الطائرة وجلست أنظر الى الغيوم، لا أدري أي المدن حلقنا فوقها، ما شكل الارض تحتنا، ما الطعام الذي قدموه، ماذا عرضوا من برامج، من كان يركب الطائرة معي، لا أذكر أي شيء. 

ركبنا، جلست، وبدأت أحاول أن أتذكرها، ملامح وجهها، صوتها، طريقتها في الكلام، بكاءها، ضحكتها، أي شيء. كلما حاولت ان أتذكرها أجد وجهها بلا ملامح، كلامها بلا صوت، سكون مطبق. كنت أرغب في البكاء، لم تمنعني وحدتي، ولا نظرات الغرباء الي، لم يمنعني الا معنى دموعي، فمعنى ذلك أن الموت سبقني واني هُزمت.

وصلت الى مطار الملكة علياء، أسرعت بالخروج قبل الجميع. عاودت النظر مررا الى جوالي، لا شيء، لا اتصال ولا رسائل.

 جررت حقيبتي مسرعا الى البوابة، تفحصت المنتظرين سريعا علي أرى وجهها بينهم، كانت دائما تستقبلني حين أعود، لمن سأعود بعدك. لا أثر لها، بحثت في الوجوه عمن أعرف، رأيت عبدالله يقف بعيدا، شعرت بالدموع تتدفق الى عيني، لما أتى وحيدا، أين الاخرون؟ لا بد انها ماتت، لا بد أنهم يبكونها سوية هناك، بينما انا اتقاطع مع نفسي في رحلتي الطويلة الوحيدة. هل هزمني الموت، كيف استطاع ان يسبقني! امتلأت بالحزن وانا أقطع تلك الامتار القليلة الى ان وصلته، صافحته و لكي لا أضيع المزيد من الوقت، قلت والدموع في عيني وصوتي يتحشرج في صدري: كيف هي؟ لم أستطع أن أقول: هل ماتت!


No comments:

Post a Comment