Monday 17 July 2017

أيهم أخطر: الجهل، العلم ام نصف العلم؟


من جميل ما سمعت عن أفلاطون قوله: كل ما أعرفه أنني لا أعرف شيئاً. وقد يظن البعض أن هذا من باب التواضع، وهو قد يكون فيه بعض التواضع لكنه أيضاً حق فهو لا يعرف شيء.

قال لي ابني ذو الأربع سنوات : انا اعرف كل شيء! قلت له: وكيف ذلك؟ فبدأ بذكر كل ما يعرفه، وبعد اقل من دقيقة توقف، فقد نفذ علمه وانتهى عالمه، وكان محقا فهو يعرف كل شيء في عالمه، المتناهي في الصغر.

وهذا حال الإنسان عموماً، فكلما قل علمه ظن أنه ألَمّ بكل ما هناك من علم، وكلما زاد علمه، ازاداد ادراكه لجهله وعظم الأمور حوله. فمن ينظر إلى السماء بعين الجهل يظن ان زرقة السماء حقيقية، وان الشمس هي النجم الوحيد الذي يتوسطها ويعتقد أنه عالم بالفلك والنجوم. وأما من عنده شيء من العلوم ادرك أن الأزرق هو انكسار الضوء الذي لا حدود لطيفه ودرجاته، وان الشمس نجم صغير من ملايين النجوم في مجرة من مليارات المجرات التي تسير في هذا الكون المتسع، وان كل ما نعرفه عن عالمنا وانفسنا هو لاشيء مما هناك ليُعرف.

والعلم الشرعي ليس استثناء من هذه القاعدة، وقد كثر في زماننا الوعاظ والعلماء والدعاة، او من يسمون انفسهم كذلك، فتجد الداعية الفلاني، وصفحته على الفيسبوك وقناته على اليوتيوب، وهو ينفي العلم عن المتقدمين والمتأخرين، ويرد على الشبهات ويفسر القرآن والسنة بما يتناسب مع العصر.

والإسلام، كدين وعقيدة ومنهج حياة، هُوجم كثيراً وعلى مر الأزمان والعصور، وأثيرت على كثير من أسسه وفروعه أمور تصل إلى الشبهات في أحيان وتفاهات في أخرى. وقد تصدى أهل العلم لهذه الفتن والشبهات، لا حباً للمال أو الشهرة، بل على العكس تماما فقد أُذو وحُبسوا ونالهم ما نالهم لأنهم وقفوا مع الحق، ودين الحق.

في كل يوم وفي كل مجلس أجد من يتحدث في الدين، وفي غالب الأوقات أجد الناس يناقشون بعض الشبهات في الدين، ويستندون لأقوال من سموا انفسهم دعاة، ونَصبّوا انفسهم علماء. فصار الحديث الذي لا يُعجب: مرفوض، لا لأنه ضعيف الإسناد ام مُنكر المتن، لا بل لأنه "لا يوافق المنطق" والأولى ان يُقال: لأنهم لم يفهموه.
ومن المواضيع التي يكثر الجدل حولها، وهو جدل بلا علم، درجة الصحة لأحاديث صحيح البخاري، عمر عائشة رضي الله عنه حين تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، رجم الزاني الثيب، الناسخ والمنسوخ، وأمور أخرى تقع تحت نفس الفكرة: الشبهات!

لا أريد أن أبدأ بالرد على هذه المسائل وذلك لسبب بسيط، العجز. نعم انا عاجز عن الرد والسبب هو : الجهل. فأنا إنسان جاهل، فأنا لا أحفظ كتاب الله، وليس عندي دراية  بعلم بمصطلح الحديث، ولا على معرفة بالنحو والقواعد، ومعرفتي بالفقه مقتصرة على ما درسناه في المدرسة، أما معرفتي بأصول الفقه فهي صفر. وطبعاً انا جاهل بالسيرة لأُميّز ان كان الأمر متعلقا بحدث قبله او بعده وان كان الحكم خاصاً ام مطلقا.

لكن على الرغم من جهلي في كل ما سبق، وجهلي في علوم لا أدري ان كانت موجودة ام لا (الجرح والتعديل، العلل والمسائل، الرفع والتكميل... الخ)، على الرغم من هذا الجهل إلا أني أعلم أن من يتصدرون مجالس الفيسبوك واليوتيوب والفضائيات، اغلبهم ان لم يكن كلهم، ليس لهم علم في العلوم الأساسية في الدين لتخولهم ليتحدثوا في الفروع والشبهات. وان ما يزينون به كلامهم من اشتقاقات واقتباسات هي سطور لم يطلعوا على ما قبلها او بعدها.

أغلب هذه المسائل قد أثيرت من قبل، وان كان عند أحد منا حب إطلاع واستطلاع، وأراد أن يتثبت من إسلامه وايمانه، وان يميز الحق من الباطل، فعليه بالبحث في امهات الكتب، والتحري بالتفصيل عن كل مسألة وكما قيل: العلم بالتعلم. أما سماع محاضرة مدتها ساعة لرجل يدعي أنه مفتي او علّامة ومن ثم القول برأيه فهذا أسوأ من الجهل.

ليس هناك عيب او مشكل في السؤال عن أمور تشتبه علينا نحن العوام، ولكن يشترط امرين: نسأل أهل العلم كما أمرنا الله سبحانه وتعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء : 7]، وثانياً أدب السؤال، فلا نرفض الحديث او الحكم لأننا لم نفهم ونقول لا يقنعني، ولا يعجبني، بل نتواضع ونقول لم نفهم، فهل من مصدر يشرح ويوضح...
.

أرجو أن لا يُفهم هذا الكلام على أنه ضد فرد بعينه، فأنا لا أعني أحداً معينا، وصدف أني الأسبوع الماضي فقط وجدت نفسي *اربع مرات* في نقاش مع أصدقاء - أحبهم في الله - وصل النقاش إلى طريق مسدود.

انا شخصيا لن اتكلم في اي مسألة في الدين، ولن أخوض نقاش مع أحد حول أي من أمور الدين، وسأوفر وقتي وجهدي لارفع عن نفسي ثقل الجهل الذي انا فيه، واتعلم ما ينجني، وصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: الناس واحد من ثلاثة، عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون حيث تميل الريح. اللهم اجعلني ممن يتعلمون للنجاح والنجاة، وارزقني رفقة العلماء الربانيين، واجنبني من هم اتباع كل ناعق.

أحمد بكر

No comments:

Post a Comment