Tuesday 22 August 2017

الوداع الأخير


في مثل هذا اليوم،  قبل ثمان سنوات غادرت عمان، ولأول مرة: لم تكوني هناك لتودعيني،  لم تبللي كتفاي بدموعك،  لم اغرق في احضانك، لم أُعمّد شفتاي بطهر كفيك، لم ترافقني عيناك إلى الغيوم،  لم تصحبني دعواتك بصوتك المكتوم بالدموع والحزن على فراقي مرةً أخرى... 

تركتُك وحيدةً في القبر الضيق،  وتركتيني وحيداً في هذه الدنيا الأضيق -بدونك. 

وقوفك وحيدةً وسط زحام المطار،  كان هو العهد الذي بيننا دائماً على سرعة العودة. حشرجة صوتي وابتسامتي الباهتة وانا امسح اللؤلؤ عن خديك كان هو الوعد بأن لا تطول الغيبة. قبلةٌ على يدك اليمنى وأخرى على اليسرى،  قسمٌ معظّمٌ على أن الغربة وإن أبعدت جسدي، فروحي عند قدميك تطلب الرضى.

أراك في كل شئ إلا أني لا أراك، لا أرى سوى ذلك الجسد المسجى،  شاهد القبر،  ووحدتي في ذلك المطار. لم تكوني هناك،  وكنت وحيداً،  وتطاول بي الأمد  ووحدتي تزداد،  وغربتي تمتد. كلما عدت ولم أجدك، افقد شيئاً من روحي، وأضمر في نفسي ان لا اعود، فأنت الوطن الذي كنت دائمًا أبحث عنه، ألجأ إليه،  أحيا له وبه. 

يقولون: الزمن بنسيّ، لكن من قال أني أريد أن أنسى! أيُّ زمنٍ يُنسيني أجمل الجميلات،  بحر الحب،  أولَ الحياة.

كلما ابتعدت عنك يوماً آخر أجد عيناي تذكرك، شفتاي تشتاق لتناديك،  وقلبي يقف بين النبضة والنبضة منصتاً ليسمع صوتك. 

أنت وطني،  مولدي،  ولحدي،  كم أشتاق إليك... آه يا حنونة...



No comments:

Post a Comment