Wednesday 10 February 2021

دفاتر فارهو- ‏مراجعة ‏ونقد

من يملك حق الكتابة؟
دفاتر فارهو هو عنوان رواية للكاتبة العمانية ليلى عبدالله، تتحدث فيها العبدالله على لسان لاجئ إثيوبي يروي ذكرياته. إبتدأ حياته في مخيمٍ للاجئين في الصومال ثم انتقل إلى دولة خليجية ليكمل حياته.

فكرة الرواية رائعة، فالبدون في الكويت محرومين من أي حقوق المواطنة، ونظام الكفيل في السعودية أقرب إلى العبودية، وكثير من "الأجانب" أو "الوافدين" في الدول الخليجية يعيشون بلا صوت ولا حقوق، فلذلك لا بد من الثناء على الكاتبة لإختيارها تسليط الضوء على إنسانية هؤلاء والظلم الذي يعيشونه. 



لكن
كيف تكتب عن ما تعرف وما لا تعرف؟ 

لا أريد أن أقول أنها- الرواية- من أسوأ ما قرأت، لأنها ليست كذلك، لكن يوجد حاجز بدأ في أول صفحة واستمر بالصعود ليدفعني بعيدا عن متابعة القراءة. هذا الحاجز هو : من يملك الحق أو القدرة في الكتابة عن المتعبين، عن المهجرين، عن المستضعفين، من يملك ذلك الحق؟ ليس كل شخص، لكن من يمنح أحداً هذا الحق أو يحرمه إياه؟

في الصفحة الأولى، الفقرة الثالثة تقول ليلى عبدالله وهي تتحدث على لسان فارهو:
كم سنة مضت على مشهد المرأة النحيفة في المخيم؟ صورتها في رأسي، تقف بظهر منحنٍ وفم طفلها متشبث بثديها المتدلي كبالون معبأ بالرمل، تقف في مواجهة رجلين أفريقيين.

رجلين أفريقيين! نعم، هي تتحدث عن لاجئ إثيوبي في مخيم في الصومال، والرجال إفريقيين. أتعلم لماذا إختارت هذا الوصف، لأنها تتخيل المشهد مما رأت في نشرة أخبار، لأنها ليست جزءاً من الحدث، هي متفرج إعتقد أنه يمكنه الحديث عن معاناة الآخرين لأنه شاهد أو قرأ شيئاً عن تلك المعاناة. وهذا الوصف الذي يُشعرك أن الكاتب لا يمت للنص، هي خارج النص بالكلية، يتكرر في كل صفحة. 

ليلى عبدالله كاتبة جيدة وأنا من متابعي مقالتها النقدية في المجلات والمدونات، لكنها في هذه الرواية فشلت في أن تتخيل نفسها جزء من معاناة المهاجرين في الدول الخليجية، بل هي غريب يتحدث عن غرباء، لذلك جاء السرد ضعيفاً وكأنه يدفع القارئ ليبعده عن النص! ليلى عبدالله شاهدت بعض نشرات الأخبار وتقارير مصورة عن معاناة اللاجئين فكتبت عنهم، فكان الناتج خالي من العاطفة، متخبط في الإطار الزمني، وبالتالي ضعيف جداً بالمستوى الأدبي. 
في أول صفحة يقول فارهو أنه في الأربعين من عمره الآن، يعني اللجوء والمجاعة كان في الثمانينات، وهذا ما حدث. لكن مع وصوله إلى الخليج كطفل، بدأت الرواية في التخبط، فطالبان والقاعدة والجولات واللاجئون السوريون يظهرون في الرواية، وربما لأن المعاناة والتعاسة لا تعرف حدود الزمن، ربما، لكن لأن الخط الزمني للرواية غير صحيح وكأنه لم يدققها أحد... 


نعود للسؤال: من يملك الحق في الكتابة عن المعاناة؟ الجواب ببساطة هو أي شخص عاش المعاناة.

غسان كنفاني كتب عن معاناة الفلسطينيين وهو يعرف تلك المعاناة، هو لم يرحل إلى الكويت في خزان مياه ومات في الطريق، لكنه جزء من الذاكرة الموروثة للشعب الذي قاسى بعض أفراده ذلك المصير. 
بيكاسو رسم المعاناة في الحرب الأهلية الإسبانية بلوحة غرنيكا، وهو يعرف ما حدث والرموز التي في لوحته تعبر عنه وعن الشعب الاسباني الذي هو جزء منه. 

سميح شقير عندما غنى يا حيف كانت كلماتها وألحانها أصدق من كل ما بثته القنوات الإخبارية - الداعمة للمؤامرة أو رعاة المؤامرة. 

لا أستطيع أن أحكم إن كان في حياة الكاتبة ما يكفي من الألم لتتحدث عن الموجوعون، فالألم مصدر للإبداع، لكنه ليس مصدر عام بل خاص جداً ومرتبط بشروط صارمة. 

المعاناة ليست خبر تقرأه، أو صورة متحركة تشاهدها على الجوال. المعاناة هي أن تفهم لماذا كلمة لاجئ تُشعرك بالإهانة، حتى وإن قيلت بمنتهى الحب. المعاناة هي أن تدمع عيناك فقط لرؤية البرتقال أو الخبيزة، لأنه يُذكرك بالوطن. المعاناة هي أن تعرف نفسك وتعرف أنك جزء من كل، وهذا الكل هو كل من يحمل لون الجلد، أو القومية، أو الدين، أو الانتماء الذي إضطهدوا لأجله. 

أحمد بكر 

1 comment:

  1. كعادتك، تقسو من شدة الرحمة! غير أن ما يعلمه العالم عن المعاناة، هو ما يتم تدوينه في رواياة كهذه، أو في نشرات الأخبار. و لو لم تكتبه العبدالله هنا لما التفت إليه أحد.
    نعم، المعاناة شخصية، و شخصية جدا. لكن من يعيش المعاناة، إنما يعاني في بعض من عيشه، و يستمتع في بعض آخر. فلا معاناة مطلقة.

    ReplyDelete