Sunday 14 March 2021

التعميم، الجهل، والشك

(العنوان الحقيقي هو كيف تعرف التيس) 

ايش الفرق بين ان تعلم وان لا تعلم؟ بين الجهل والعلم؟ 
 الفرق هو بالشك، كلما كنت متأكد من الشيء وواثق من نفسك ويقينك لا يُزعزع، معناه إنك جاهل. في سورة الحجر يقول رب العزة: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. واليقين هنا بإجماع أهل التفسير هو الموت، فالحياة كلها شك حتى تنتهي بالحقيقة واليقين. 

بصراحة، الجاهل يتحدث بثقة عمياء ويقين مطلق - وكأنه ألمَّ بكل تفاصيل ودقائق الموضوع الذي يتحدث فيه،فالعالم، في الفقه او العلوم، لا يُعمم، ولا يجزم، ويشترط عندما يتحدث، والجاهل يتحدث بالمطلق والعموم، في كل شيء وهذا دليل على التياسة. . 

الشافعي كان يقول شطر (نصف) العلم لا أدري. واليوم يأتيك من لا يعلم ويتحدث وكأن الشافعي كان من تلاميذه. والطامة الكبرى ليس فقط حصر العلم بذاته، بل نفيه عن غيره، فيقول ناسا كذابين، وأكسفورد لا يعرفون، وإلى ما لا حصر له من أمثلة. 




ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع شيئان، إنتشار نظريات المؤامرة ، والطريقة التي يرد البعض بها على بعض المنشور على وسائط التواصل الاجتماعي. 

هذه الأيام تجد من لا يعرف إيش هو الحمض النووي الريبوزي والفرق بينه وبين الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين (تعمدت ذكر التسمية العربية) يفتيك في لقاح فايزر ومادرنا. وأنا، وكثيرون مثلي، رغم دراستي الميكروبيولوجي في الجامعة وقرأتي للعديد من الأبحاث المنشورة عن الموضوع، أتجنب الخوض فيه خوفاً من الخطأ او الحديث عن ما لا أفقهه. 

قبل أيام نشر الصديق عدنان الشبول فيديو عن نبات الحندقوق، وهو يدخل في صناعة السمن البلدي، وعدنان بحث واستفسر وتعلّم عن الموضوع قبل ان ينشر الفيديو، الغريب أن البعض خاطبه نافياً ان يكون ما صوّره هو الحندقوق، والبعض اتهمه بالجهل، واحداهن حذرته من الكلام عن الأعشاب. أنا ممكن أختلف مع شخص في طريقة إعداد السمن البلدي، لكن لا أقول أنه جاهل لأنه يختلف معي، وقد أكون أنا الجاهل بشيء هو يعلمه، فلماذا أنفي العلم عن غيري والحقيقة أنني أنا الجاهل؟

هذا مثال من أمثلة، وأجد أن هذه الآفة، هذه المصيبة، منتشرة جداً الآن، والغريب ان البحث والوصول إلى الحقيقة الان سهل جداً، لكن تجد غالب الناس يفضلون الكذب وينشرونه، قصدا او جهلا، ولا أدري أيهما اسوأ!

دائماً ما أنصح أبنائي (صرت ختيار) وأقول مكرراً:
إياك أن تختار أن تكون غبياً! فالجهل خيار، والغباء الناتج عن الجهل خيار، فحذار أن تختار الغباء ودعة الجهل على تعب المعرفة...

خلاصة القول:
من يتحدث بثقة زائدة، وجب عليك الشك في كلامه. وتصديقك للكذب هو اختيارك أنت، وانت المسؤول عن خياراتك.

أحمد بكر


حاشية
قديماً كنت من محبي الإستماع للشيخ كشك، وهو رحمه الله متحدث بارع، لكني اكتشفت ان غالب القصص والأحاديث التي يستخدمها في خطبه مكذوبة وموضوعة، واكتشفت أيضاً ان بعض طلاب العلم قد نبهوه إلى ذلك، لكنه تجاهلهم واستمر على نفس النهج! وهذا مثال واحد، ومثله كثر، في الدين وغيره. 
منذ زمن، صرت اذا وصلني حديث، بحثت عن تخريجه (تستغرق ثواني) وغالب ما يصل قصص موضوعة ومكذوبة، ما أستغربه،اذا ذكرت للبعض ان ما نشره كذب، تجده احتد وغضب، وكأنك أخطأت لأنك قلت ان ما نشره كذب، وهو لم يخطأ عندما نشر الكذب، فأستيقن أن الغباء والجهل خيار، والبعض يفضل أن يكون جاهل وغبي، على أن يعرف انه قد كان مرة جاهل (وكلنا كان كذلك) وتعلم. 

No comments:

Post a Comment