Sunday 21 March 2021

طول عمري مشكلجي الحلقة الأولى- جواز السفر ...

طول عمري مشكلجي 
الحلقة الأولى- جواز السفر ...
في نهاية عام ١٩٩٥ قررت اعمل جواز سفر. ذهبت إلى دائرة الأحوال المدنية وقدمت طلب، وبعد سؤال واستفسار، قيل لي: أنت مواليد سوريا، كيف دخلت الأردن؟ قلت: وثيقة سفر من السفارة الأردنية في دمشق، صالحة للسفر لمرة واحدة وإتجاه واحد، وأخذوها على الحدود!
قال لي الموظف: لازم تجيبها، بدونها ما في جواز سفر. إتجهت إلى دائرة الحدود والأجانب - حسب ما ارشدني موظف الأحوال، وكانت في العبدلي، بجانب العمارة الزرقا. أخذت تاكسي لأوفر وقت (نص ليرة، من الدوار الثاني للعبدلي) وصلت هناك وقفزت من السيارة إلى الحارس عند الباب الذي بادرني: خير؟ قلت له أحتاج إلى نسخة من وثيقة سفر صُودرت على الحدود! قال متى؟ قلت: ١٩٨٥، ابتسم وقال وكأنه يُسّمع درس حفظه من سنوات: الوثائق المحفوظة هنا تتلف كل خمس سنوات! يعني؟ تسألت، لم يرد. وقفت على الشارع مكتئباً، أطلت النظر بالعمارة الزرقا بجانبي، لعنت حظي وعدت للبيت.


في بداية عام ١٩٩٨، أخبرتني أمي أنها محتفظة بصورة عن الوثيقة، إتجهت إلى الأحوال المدنية في اليوم التالي، قدمت الطلب وأرفقت الصورة، رفضها الموظف لأنها صورة غير مصدقة! أخذت الطلب واتجهت إلى مدير الأحوال المدنية وشرحت له الوضع فدمغ الطلب بتوقيعه، وخرجت وأنا أسعد الناس. قدمت الطلب وقيل لي "ارجع الساعة ثنتين".
عدت بعد بضعة ساعات، فقيل لي:
تحتاج موافقة مخابرات! إرجع بعد اسبوع.
رجعت بعد عشر أيام، قيل لي: راجع المخابرات.



راجع المخابرات، كلمتين ارسلتا قشعريرة في بدني وتملكني خوف شديد. سألت: كيف؟ متى؟ أين؟ قيل: فقط إذهب إلى دائرة المخابرات العامة في البيادر!
بعد يومين، استجمعت كل ما عندي من شجاعة وإتجهت إلى المخابرات. بعد عدة باصات وصلت إلى مبنى المخابرات والذي هو أشبه بحصن منيع. عند البوابة أعطيت الموظف إسمي وحاولت أن أشرح لماذا انا هنا، لكنه قاطعني قائلاً : اركب الباص! دخلت الباص، كوستر ٢٢ راكب، أبيض من الخارج بدون تفاصيل، ونظيف من الداخل. الشبابيك مغلقة، وكذلك الستائر. جَوْ، المقصود منه أن يُشعرك بالخوف، ضحكت في داخلي وأنا أجلس في المقعد خلف السائق مستمتعا بالشباك الذي لم يستطيعوا أن يغطوه بالستائر!
تحرك الباص بسرعة، وقطعنا فيه من الوقت ما يكفي لأن يصل صويلح (مبالغة شوي) والواضح أن كل شيء مُعدّ لتشعر بالخوف والقلق. نزلنا من الباص ودخلنا قاعة انتظار، المكان واسع جداً لكن الكراسي في منطقة ضيقة، فنحن محشورين مع بعض على هذه الكراسي في هذا المكان الواسع. لا أعرف أحد من المنتظرين، أغلبهم شباب وكثير منهم تبدو عليهم علامات الخوف. تلك اللعبة التي يلعبونها: باص مغلق، لفلفة طويلة، قاعة انتظار غير مريحة، رغم وضوحها إلا أنها تبدو فعالة مع البعض. أجزم ان هؤلاء البعض الذين انطلت عليهم هذه الحيل هم جاهزين فقط عند كلمة مخابرات، وكل ما تلا ذلك هو تضييع لوقتنا ووقتهم.
بعد نصف ساعة انتظار نودي على البعض منا وتم اقتيادنا إلى قاعة أخرى، ومزيد من الانتظار.
طبعا انا كنت متوقع كل ذلك، لذلك أفطرت في الصباح فطورا جيدا، لم أغادر الببت إلا بعد العاشرة، وصلت المخابرات بعد منتصف-اليوم لأني أعلم أنهم سوف يجعلونني أنتظر، وكنت أعلم أن نهاية الدوام عندهم حوااي ال٣ عصراً، فأقصى وقت سأنتظره هو ساعتين. وأيضاً حملت معي باكيت دخان جديد، احتياطا.

كنت أعرف ما هي الأسئلة التي سيسألونها، فأسئلتهم مكررة. كنا عادةً ما نجلس ونتسامر بقصص التحقيق في المخابرات، طريقة التعامل، الاسئلة واسلوبها. كان من قد طُلِبَ للمخابرات يزهو فخاراً وكأنه قد نال وسام الوطنية، وفعلاً، من يشهد لك على وطنيتك وجديتك بالعمل أكثر من المخابرات.

جلست في القاعة الثانية ، وهي أصغر كثيراً من الأولى، والهدف ان لا تكون مرتاحا، وفعلاً لم أكن مرتاحا.
بدأت أخمن لماذا هؤلاء الناس هنا؟ هذا أبوه كان في المنظمة (منظمة التحرير الفلسطينية) وهذا يحتاج موافقة أمنية لكشك، وهذا ربما كان يتحدث مع بعض أصدقائه في السياسية فقال أكثر مما يلزم. 
بعد قرابة النصف الساعة جاء شاب متوسط القامة، نحيف، أقرب إلى السمرة ونادى إسمي، تقدمت بإتجاهه فمشى مسرعاً ولسان حاله يقول: إلحقني!
دخل إلى غرفة صغيرة، فيها مكتب حديدي قديم وكرسي بلاستيكي غير مريح، كان قد سبقني فلم أتبين كرسيه الذي جلس عليه. شعرت بالإهانة، فهذا مكتب تحقيق، وليس مكتب المحقق، وهذه إشارة إلى تدني القيمة، قيمة المحقق، وقيمة المُحَقَقَ معه (أنا).
كنت أعرف تقريباً كل شيء عن أسلوبهم، لكن شيئاً واحداً كنت أجهله وهو ماذا لديهم ضدي؟
بمجرد أن جلست قال لي:
إنت في قعدة مع محمود وبهاء وصقر وقلت في تلك الجلسة ان الملك خائن وماسوني، وقلت أن الملك لما صافح رابين (١٩٩٣) قال إنه بيعرف رابين من عشرين سنة!

 أحمد بكر 

No comments:

Post a Comment