Saturday 20 October 2012

انفصام!


انفصام الشخصية العربية

انا مواطن عربي- وهذا ليس باختياري. والكثير من الاشياء في حياتي لا يد لي فيها، لا اختيار، ولا حيلة. ولدت في المشرق، لم اختر مكان ولادتي الذي يبعد الكثير عن ما اسموه وطني الذي لم اختر ان انتمي اليه. ولم اختر طفولتي، حرب في لبنان ابعدتنا، وتوتر سياسي في سوريا رحلّنا. لم اختر مدرستي، ولا هي اختارتني، ولازلت احتفظ بقصاصة كتب عليها مدير المدرسة: لا مانع من قبوله في الصف الخامس رغم ان عدد الطلاب ٢٠٤ وعدد الصفوف ٤.


لم يك بخياري الذهاب الى المسجد، ولم يك قراري ان اتوقف خوفا من الاشتباه بي بأني من تنظيم اسلامي. لم اقرر اي فرع في الثانوية ان ادرس، كان قرار المدرسة، ولم اكن انا من كتب الاختيارات على طلب القبول الجامعي ،وقرار القبول الموحد هو من فرض علي دراستي الجامعية. 
ملابسي يختارها المجتمع، طعامي يختاره الموسم واليوم من الشهر.


لم يقل لي احدا يوما ماذا تريد؟ لا اعرف ماذا احب من الاشياء، فلم املك يوما خياراَ في امتلاكها. 

رغم انعدام الخيارات في حياتي انا دائما مطالب بأن اختار موقفاََ من الاحداث واتشبث به. وخياراتي دائما متضادة. عندما بدأت اعي العالم حولي طُلب مني ان اختار ان اقف مع بلد عربي ضد اخر، هذا احتل هذا وذاك طلب عون القريب والغريب على هذا! كان لا بد ان اختار!
لاحقا قيل لي هل انت مع السلام ام ضده؟ هل انت مع الانفتاح الاقتصادي، ام ضده؟ مع الخصخصة ام ضدها؟ مع الصوت الواحد ام ضده؟ 


حاولت ان افهم ماذا يعني خيار؟ ماذا يعني ان اتخذ موقف واختار ما اريد، رغم اني لا اعرف ماذا اريد! وبدأت الخيارات تتعقد! 


الان وانا اناظر الاحداث حولي اتسأل: هل حقا علي ان اختار مع اي طرف اريد ان اكون؟
هل اساند الناتو في قصفه لبلد عربي، ام اساند الثوار في وقفتهم امام الحاكم؟ هل أبكي على الامن والامان مع قليل من الخوف وكثير من الذل،  ام اتنعم بالحرية قبل ان يصيبني الرصاص؟ هل ابكي على مصر الثورة، ام ٍمصر الامنة، ام مصر المدنية؟ هل اكون فل، ام اخوان؟ هل أساند الشيعة في البحرين، ام السنة في ايران؟ هل ما يحدث في سوريا مؤامرة اكشف خيوطها، ام اصطف مع "المتأمرين" واغني للحرية؟

نحن لا نعرف ان نختار، لم نتعلمه يوما ابدا، كل شيء في حياتي واجب او حرام؟ لماذا تطالبوني ان اختار، والكل يلومني لاني لم ولا احسن الاختيار؟

حقيقة اشعر اني مصاب باضطراب نفسي، انفصام شديد بالشخصية! تروادني افكار بالانتحار، ولكني لا عرف كيف، ولا اريد ان اختار!
 
الكل يختار موقفه وحزبه وفكره ونظامه العالمي، والكل مؤمن انه على الحق الابلج، وكل ما سواه ضال، مضلل، رجعي، مستشرق، مستغرب، يكره الحق ولا يريد ان يقر به!


ايها العالم العربي، انا معكم جميعا، انا سلفي اؤمن ان ما اصلح حال اول الامة سيصلح حال اخرها، اخواني اعرف ان البناء لا بد ان يبدأ من القاعدة، تحريري مقتنع بان الخلافة هي الحل، ليبرالي اقول بالمساواة والحرية، متمدن انادي بالدولة المدنية، اشتراكي اطالب بالتوزيع العادل للثروة، رأسمالي ادافع عن حرية التملك، سني وشيعي، شرقي وغربي، عربي وعربي، متطرف ومتطرف. هل هذه الخيارات ترضيكم؟

وانا ايضا عكس ذلك كله، ومؤيد ومعارض بشدة، انا كما تريدون واكثر، انا مصاب بانفصام بالشخصية!




7 comments:

  1. للأسف, عليك أن تختار. لتحسب يوم القيامة على اختيرك. و اختيارك قد يكون (أن لا تختار). و الله الموفق. كعادتك, تفتح جروح و لا تغلقها.وفقك الله صديقي العزيز

    ReplyDelete
  2. حقيقة اشعر اني مصاب باضطراب نفسي، انفصام شديد بالشخصية! تروادني افكار بالانتحار، ولكني لا عرف كيف، ولا اريد ان اختار!
    املك نفس الشعور تماما

    ReplyDelete
  3. هناك طرق ووسائل متعددة للانتحار يمكنني اقتراح بعضها من باب المساعدة:
    ١- جرعة عالية من الادوية، اشهرها الباراسيتامول. وللصراحة الموت ليس مضمونا، انت بحاجة الى تناول تقريبا ثلاثين جرام وقد تنتهي بفشل كبدي بدلا من موت قد يأخذ عدة ايام للحدوث
    ٢- جرعة عالية من المخدر، طريقة مضمونة النتائج. المشكلة هي في الحصول على المخدرات لانه من الممكن ان تنتهي الامور بما لا يحمد قباه، سجن ومخدرات بدلا من انتحار
    ٣- التدخين: موت بطيء ولا يوجد اي ضمانات بالنتائج

    ReplyDelete
  4. اخيرا طريقة مضمونة النتائج ومجربة كثيرا: ان تعيش في العالم العربي، موت محقق. وان لم تمت بدنيا فانت ميت عاطفيا وعقليا ونفسيا، والدليل ثلاثمئة مليون ميت، اقصد مواطن...
    حياتكم همنا، موتكم يسعدنا

    ReplyDelete
  5. كنت هنا عل اطلال هذا النص منذ عام ونيف
    وها انا اعود الى نفس المكان
    ربما قبل عام اخترت الطريقة الثالثه الموت البطيئ
    لكنني على قناعة تامه ان الموت مكون من مراحل
    ليس الموت فقط القبر
    ولربما ليس القبر اخر مراحل الموت ربما جهنم هي المرحله الاخيره
    ربما لا يجب علينا ان نصف اهل الجنه في قبورهم بلاموات
    المهم
    انا على قناعة انا اننا في الوطن العربي ميتون وان لم نزرع في قبورنا
    فلموت في تعريفي مراحل
    وعليه هل يحاسبنا الرب على اعمالنا من بعد موتنا فبعد الموت تقفل الدفاتر

    ReplyDelete
    Replies
    1. سؤال عجيب! اخذني عدة ايام لاجد اجابة، الله يحاسبنا على ما نعمل قبل الموت، الموت الذي فرضه علينا،اما ان نحيا كما الموتى فهذه مشكلتنا نحن وعلينا ان نحمل وزرها

      Delete