Friday 23 August 2013

فسحة امل

تفاؤل
انا مبسوط جدا ومتفاؤل جدا هذه الايام، رغم قتامة كل شيء حولي...

عندما وقعت الاحداث المؤسفة عقب مبارة الجزائر ومصر في عام ٢٠٠٩، كان من المخزي ان الانقسام العربي يزداد، وان الاعلام الرخيص يؤجج الكراهية ويُحرض الشعوب على بعضها وبطريقة بغيضة ومقيتة، واكثر ما كان يبعث على التشاؤم ان  الشعوب كانت تتقبل وتُنفذ وتُصدق.  او على الاقل هكذا بدت الصورة..

عادت بي الذاكرة حينها الى نص لمحمود درويش في كتاب "ذاكرة للنسيان" يتحدث فيه عن تفاعل  وغضب وتظاهر الشعوب العربية ايام حصار بيروت بسبب مبارة كرة قدم (كان يعني بطولة كأس العالم مجموعة الجزائر) وعدم تفاعلها لما كان يحدث في لبنان. في ذلك النص، قال درويش لصديقه الغاضب: غضب الشعوب لمبارة كرة قدم يعني انها لا زالت حية، ويوما ما ستغضب لما يحدث.
   
فاجأتنا الشعوب بعد عام من المباراة و "المهزلة" حينها بثورة، ثورة اثارت اهتمام العالم وجعلت هذه الشعوب محط اعجاب وتقدير ابنائها اولا والعالم اجمع ثانيا. صدق درويش، الشعوب كانت حية وتفاعلها بعد المباراة كان دليل على الحياة!

بالامس افرجت السلطات المصرية عن مبارك، ولا اقول انني لم امتعض بداية ولكني بدأت أشعر بنوع من السعادة والتفاؤل بعد هذه الخطوة. تفاؤل ظننت انني لا املكه او لم اعد اجيده في ظل قتامة المشهد السياسي في العالم العربي في هذه الايام. 

نظرياً، كل ما حولنا لا يُبشر بخير، بل يدعو الى التشاؤم ويُنبّأ بأيامٍ تعسات. لكني بدأت أُراجع حساباتي وأتفكر فيما حدث خلال العامين الماضيين، وهل كان حلماً تحوّل الى كابوس، نصراً تحوّل الى هزيمة؟ الجواب: لا، لم يكن نصراً لان المعركة لم تنتهي  ولذلك هو ليس الان هزيمة ولنفس السبب فالمعركة لم تنتهي. 

اذا ماذا حدث:
نرى دائماً في افلام الاثارة والحركة والعنف البطل يتلقى اللكمات تلو اللكمات، ويسقط مرة بعدأخرى، والشرير مستمر في شره آمن مطمئن للنصر، وفي اخر دقيقتين من الفلم ينهض البطل ويوجه اللكمة الاولى فيسقط الشرير، وتزداد قوة البطل وتزداد لكماته سرعة ويسقط الشرير مرة تلو المرة وتزداد سقطاته لوعة، وينتصر الخير وينتهي الفلم.

طبعا الواقع في عالمنا -رغم غرابته-  ليس مطابقاً للافلام. وخطئاً ظننا انه وبعد عقود من اللكمات والسقوط والضعف، وبعد ان نهض الشعب ووجه أولى لكماته التي ادمت واوقعت الشرير ارضاً، اعتقدنا انما هي لحظات وتظهر الشارة معلنةً انتصار الشعوب وانتهاء الفلم / الظلم. ومفاجأة لنا وللمتابعين لم ينتهي الظلم، بل نهض اقوى واعتى وتوالت ضرباته للشعب حتى ظننا -مخطئين ايضاً- انها النهاية وان ما حدث من انتصار لحظي كان ربما مجرد فاصل اعلاني.

في كل معركة انت بحاجة لخصمين (وربما اكثر) وعلى الخصوم معرفة لماذا دخلوا هذه المعركة وماذا يريدون من نتائج بعد النصر. والخصوم ايضا يهمهم معرفة من في كل طرف، ومن يدعم او يساند او يفرح لنصر اي طرف. معركة الربيع العربي حين بدأت اعتقدنا ان الاطراف واضحة والمشجعين والداعمين معروفون. لكننا رأينا تبدل المواقف وتغير المصالح لكثير مما كنا نظنهم معنا، او حتى ضدنا، مع الشعوب او مع الحكام.

كم من الاقنعة سقطت، كم من المواقف تغييرت، كم من الاراء تبدلت. بصراحة وعلى المستوى الشخصي، رأيت اصدقاء لي تتغيير قناعتهم في زعامات وحكام عرب كنت اظن ان نقل جبل من مكان الى مكان اسهل من كشف خداعهم للناس، لكن شاء الله ان يكشفهم ويظهر خبثهم وكرههم لشعوبهم ولدينهم وقوميتهم. 


مبارك خارج السجن الان، وكذلك الكثير من الشعب الذي قام بالثورة، خارج سجن الخوف. مبارك خارج السجن ولكن صورته في القفص وراء القضبان ستبقى عالقة في اذهان الجميع لتقول وبالفم الملآن: فعلناها مرة، وسنفعلها مرة اخرى، واخرى، واخرى، واخرى...


الافراج عن مبارك هو فصل جديد في معركة بدأت قبل عامين، تحقق فيه نصرٌ صغير وبعض الهزائم، ولم تنتهي بعد، وهذه ليست النهاية، وليست بداية النهاية، هذه فقط : نهاية البداية.




No comments:

Post a Comment